تحولت الفرقاطة الفرنسية السريعة «لا لوتين»، التي سُلّمت إلى البحرية البريطانية عام 1793 خلال أحداث الثورة الفرنسية، من سفينة حربية إلى واحدة من أشهر أساطير الكنوز الغارقة في التاريخ البحري. السفينة، التي عُرفت لاحقًا باسم «إتش إم إس لوتين»، لعبت أدوارًا عسكرية عدة قبل أن يرتبط اسمها بثروة هائلة ابتلعها بحر الشمال.
كانت «لا لوتين» من أسرع سفن الأسطول الفرنسي، قبل أن تقع في قبضة البريطانيين عقب حصار طولون، الذي برز خلاله اسم نابليون بونابرت كقائد مدفعية شاب. وبعد دخولها الخدمة البريطانية، نُقلت إلى بحر الشمال وكُلّفت بمرافقة السفن، كما خضعت لتعديلات زادت تسليحها إلى 38 مدفعًا.
غير أن الرحلة الأهم في تاريخها لم تكن عسكرية. ففي التاسع من تشرين الأول 1799، أبحرت «لوتين» من ميناء يارموث في مهمة سرية، تحمل سبائك وعملات ذهبية وفضية قُدّرت قيمتها حينها بنحو مليوني جنيه إسترليني، أي ما يعادل اليوم حوالى 125 مليون جنيه. وقيل إن الشحنة كانت مخصصة لإنقاذ بورصة هامبورغ من الانهيار المالي أو لتمويل القوات البريطانية في مواجهة نابليون.
في عرض بحر الشمال العاصف، وبين الضفاف الرملية الخطرة قرب الجزر الهولندية، جنحت السفينة خلال عاصفة قوية، ثم انقلبت وغرقت على عمق ضحل، حاملة معها ثروتها الأسطورية ومعظم طاقمها. وبعد أيام، بدأ حطامها يظهر مع انحسار المد، لتبدأ فصول طويلة من الصراع على الكنز.
استولى الهولنديون، الذين كانوا في حالة حرب مع بريطانيا آنذاك، على الحطام وسمحوا بعمليات انتشال استمرت نحو عام ونصف، قبل أن تبتلع الرمال المتحركة بقايا السفينة ويُطوى ملفها لعقود. وفي عام 1821، عاد الاهتمام بالكنز، لكن تغيّر التحالفات السياسية نقل حقوق الإنقاذ إلى التاج البريطاني، ثم إلى شركة «لويدز» للتأمين، التي كانت قد دفعت تعويضات كاملة عن الشحنة.
قادت «لويدز» واحدة من أقدم عمليات البحث المنظمة عن كنز غارق، واستُخرجت كميات من الذهب والفضة على مدى سنوات، إلا أن الجزء الأكبر من الثروة ظل مدفونًا تحت الرمال. ويُعتقد حتى اليوم أن عشرات الملايين من اليوروهات لا تزال في قاع البحر.
ومن أبرز ما عُثر عليه جرس السفينة، الذي انتُشل عام 1858 ووُضع في مقر شركة «لويدز» في لندن، حيث أصبح رمزًا بحريًا يُقرع للإعلان عن فقدان سفينة أو عودتها بسلام. ومع مرور الزمن، تجاوز اسم «لوتين» حدود التاريخ البحري، ليدخل مصطلحات التأمين ويُلهم كتبًا وأفلامًا وثائقية.
وهكذا، بقيت «عفريتة» البحر حيّة في الذاكرة، كأسطورة تجمع بين الطموح البشري، وجبروت الطبيعة، وحلم الثروة المخبأة في أعماق لا تهدأ.