كتبت سمر يموت في الـ Entrevue:
لم يكد ينفض اللبنانيون غبار حرب “إسناد غزّة” التي أدخلت لبنان في دوامة حرب شاملة دمّرت البلاد ومعها البنية العسكرية واللوجستية لـ”لحزب الله”، حتى باتوا يتلمسون بوادر إشعال فتيل حربٍ جديدة بين لبنان وسوريا، بدليل ما حصل في اليومين الماضيين من اشتباكات على الحدود اندلعت بعد خطف ثلاثة عناصر تابعين لوزارة الدفاع السورية وقتلهم وسحب جثثهم إلى الأراضي اللبنانية. ومع تأكيد الجانب السوري أن الجهة الفاعلة هي “حزب الله” ونفي الأخير الأمر بشكل قاطع، إلا أنّ الصورة تعيد الى الأذهان ما حصل في تموز من العام 2006، حين نصب مقاتلو الحزب كميناً لجنود العدو الاسرائيلي وقتلوا عددا منهم وأسروا آخرَين. ورغم أنّ إسرائيل دولة عدوّة وسوريا دولة شقيقة، وبالرغم من التنسيق المستمر بين الدولتين اللبنانية والسورية للجم التصعيد وإعطاء رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون توجيهاته للجيش بالردّ على مصادر النيران وضرورة حماية الأمن على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية، يخشى المراقبون من إعادة “فتح جبهات” ترتدّ على لبنان بنتائج وخيمة.
ما يحدث على الحدود اللبنانية السورية خلال الساعات الماضية، يعيدنا بالذاكرة الى أساليب المخابرات السورية التي كانت تنشط خلال الحرب الأهلية بين المنطقتين الغربية والشرقية، من أجل إثارة الفتنة بين المنطقتين، هذا ما يراه الخبير العسكري والاستراتيجي سعيد القزح، الذي ذكّر بأنه “إبان سنوات الحرب الأهلية كان يتم خطف أحد سكان المنطقة الشرقية وقتله ورميه في المنطقة الغربية والعكس صحيح، من أجل إثارة العصب الطائفي وتغذية الحرب الأهلية، وما جرى أمس الأول هو أحد أوجه هذا المخطط، تستفيد منه جهة ما لزعزعة الأمن ووضع العراقيل أمام نهوض الدولتين الجديدتين في لبنان وسوريا وزرع الفتنة بينهما وجعل الحرب تندلع بينهما لأن الجيش اللبناني لن يقف جانباً وسيتصدى لأي اعتداءات من الجانب السوري”.
لقد بالغت السلطة السورية بردّة فعلها، إذ كان عليها أن تحتوي الموقف وتعي أن هناك مخططاً يُحاك لإشعال الجبهة، على حدّ تعبير العميد القزح، الذي قال “نعم سمّة من ينسب إلى حزب الله ارتكابه هذه الجريمة، وقد يكون مستفيداً من فتح جبهة جديدة على الحدود الشرقية لإيجاد ذريعة للتمسك بسلاحه وخلق عدو وهمي ليقول أنه هو من يحمي تلك المنطقة وشعبها، ويعطي نفسه ذريعة حماية لبنان، من دون أن ننسى أنه قد يكون هناك فرقاء آخرين من فلول النظام السوري يعتاشون ويقتاتون من زيادة الفتن والحرب وخلق التوترات”.
كان الأجدى بالجانب السوري أن يتصل بالدولة اللبنانية عبر مكتب التنسيق والتعاون لجيشي البلدين، الذي عقد اجتماعات تنسيقية بعد سقوط نظام الأسد، ويترك الساحة للجيش اللبناني لمعالجة المسألة وفرض الأمن، لا أن يستقدم قواتاً الى الحدود والقيام بعمليات قصفٍ عشوائي براجمات الصواريخ على المناطق اللبنانية، وإنما مساعدة الجيش اللبناني لضبط الحدود الشرقية والشمالية التي تمتد على 370 كلم، يستطرد القزح، “كان على الجانب السوري أن يترك التصرف للجيش اللبناني كي لا ينجرّ الى الأفخاخ التي ينصبها “حزب الله” أو أي طرف ثالث له مصلحة في إشعال الفتنة في تلك المنطقة”.
ينتظر اللبنانيون من جيشهم استكمال انتشاره على طول الحدود اللبنانية السورية، ويعمل على نزع كلّ سلاح موجود فيها ويتولى حفظ الأمن، وهذا ما ينبغي أن يفعله أيضاً الجانب السوري، وعلى الدولتين المباشرة بترسيم الحدود ووضع مخافر من الجيش وأبراج مراقبة لأنه لا يمكن ضبط الحدود من اتجاه واحد.
لا يقارب القزح ما حصل من قتل وخطف لجنودٍ سوريين على الحدود بما حصل من قتل وأسر لجنود إسرائيليين قبيل حرب تموز 2006، وهو لا يخشى من اندلاع الحرب بين البلدين، خاصة وأن الجانبين على تفاهمٍ وتنسيقٍ لضبط الحدود، إنما هناك من يريد خلق فتنة ، فـ “حزب الله” يهرب الى الأمام ومثله فلول النظام السوري وهما يريدان إشعال الحرب والفتن، ففلول النظام وايران (حزب الله) لن يُسلّما بهزيمتهما داخل سوريا ولبنان، ولن يكترثا اذا تعثّرت السلطة اللبنانية من بداية عهدها، لأن الفتن بالنسبة لهما هي ركيزة لإبقاء شرعيتهما وهما يعتاشان على هذا الأمر، صحيح أن إسرائيل عدوة وسوريا شقيقة، لكن ما يريده “حزب الله” هو خلق المبررات لبقاء السلاح بحوزته وبأيّ ثمن.