انطلق موسم صيد “السنسقور” أو ما يُعرف شعبيًا في الجزائر بـ”الشرشمان”، بقوة هذا العام، وسط جدل متزايد بين من يعتبره كنزًا غذائيًا ودوائيًا، ومن يطالب بحمايته من الصيد العشوائي والتهريب الذي يهدد بانقراضه.
ويُصنّف “السنسقور”، وهو الاسم العلمي لهذا الزاحف الصحراوي، ضمن فصيلة السقنقورايات، ويشبه السحلية لكنه يتميز بجسم مغزلي، أطراف قصيرة وذيل سميك. يطلق عليه الجزائريون أسماء عدّة، منها “الشرشمان” أو “الورل الصحراوي”، كما يُلقب بـ”سمكة الصحراء” نظراً لقدرته على الغوص في الرمال.
هذا الحيوان لا يشكّل فقط جزءًا من موروث المناطق الصحراوية، بل يُستخدم أيضًا في الطب البديل، ويُعتقد أن له فوائد صحية رغم غياب إثبات علمي قاطع لذلك.
صيد تقليدي… وخطر متزايد
يقول عبد الكريم حليس، رئيس جمعية الهواة للصيد وحماية البيئة في ولاية الوادي، إن موسم صيد “الشرشمان” يبلغ ذروته في الربيع والصيف، تحديدًا بعد الظهر حين يخرج بحثًا عن الطعام. ويُصاد تقليديًا باستخدام الحفر أو الفخاخ اليدوية، إلا أن غياب الرقابة البيئية والتنظيم المناسب جعله عرضة لصيد جائر.
من الغذاء إلى “الدواء”
بحسب حليس، يُستهلك لحم “الشرشمان” في بعض المناطق كغذاء شعبي، كما يُستخدم جلده ودهنه في تحضير مراهم وزيوت طبية تُباع بأسعار مرتفعة. يُعتقد أن لهذا الزاحف قدرة علاجية في تخفيف آلام المفاصل، والروماتيزم، ويُستخدم أيضًا كمنشط جنسي، رغم أن فعالية هذه الاستخدامات لم تُؤكد علميًا حتى الآن، مما يُبقيه ضمن نطاق الطب البديل.
ويضيف حليس أن الدهن يُستخرج إما بالتجفيف أو الشواء ثم التسخين، لاستخدامه موضعيًا أو ضمن وصفات عشبية. أما الجلد، فلا يدخل في صناعات رسمية، لكن يُحتفظ به لأسباب رمزية أو روحانية لدى بعض المعالجين.
أسعار مرتفعة وشبكات تهريب
في الأسواق الشعبية، يتراوح سعر الحيوان الواحد بين 30 و50 دينارًا جزائريًا، في حين قد يصل سعر زيته المركّز إلى أكثر من 20 ألف دينار (حوالي 100 دولار)، وفقًا للندرة وجودة المنتج.
ويلفت حليس إلى أن “الشرشمان” يحظى بطلب واسع خارج الجزائر أيضًا، خصوصًا في دول مثل مصر، والإمارات، والسعودية، وماليزيا والهند، حيث يُعد عنصرًا أساسيًا في وصفات الطب البديل. ويُعتقد أن هناك شبكات غير قانونية تصدر منتجاته للخارج، ما يزيد من الضغط على هذا النوع.
نحو الحماية والتنظيم
ورغم تزايد المطالب بحمايته، لم يُصنف “الشرشمان” حتى الآن ضمن الكائنات المهددة عالميًا، ما يجعل جهود حمايته محدودة. وترى جمعيات بيئية أن اختفاؤه من بعض المناطق الصحراوية يعود لتوسع النشاط البشري وفقدان مواطنه الطبيعية، إلى جانب الطلب المفرط عليه.
في النهاية، يبقى “الشرشمان” بالنسبة لأبناء الصحراء أكثر من مجرد زاحف، بل رمز لعلاقة قديمة بين الإنسان والبيئة، ومعلم من معالم التراث العلاجي والبيئي المحلي، في انتظار قرارات رسمية تضمن استدامته وحمايته من الزوال.