جراحة المفاصل

شهد قطاع الرعاية الصحية تحولًا كبيرًا في تصنيع الغرسات الطبية بفضل التطور السريع في تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، خاصة في جراحة العظام واستبدال المفاصل. تتيح هذه التقنية إنتاج غرسات مخصصة تتناسب مع البنية التشريحية لكل مريض، مما يعزز الراحة ويُسرع عملية الشفاء. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات متعلقة بمتانة المواد المستخدمة وتجانس خصائصها الميكانيكية، مما قد يؤثر على كفاءة وأمان الغرسات على المدى الطويل.

تطوير صيني

في هذا الإطار, نجح فريق بحثي من مختبر مواد “سونغشان ليك” في الصين في تطوير أول ركبة اصطناعية في العالم مصنوعة بالكامل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بالليزر، والتي حصلت رسميًا على موافقة إدارة المنتجات الطبية الوطنية في الصين كجهاز طبي مبتكر. ركز الفريق على تحسين قوة وثبات سبائك “الكوبالت-الكروم-الموليبدينوم” (CoCrMo) المستخدمة في زراعة المفاصل، والتي تُصنع بتقنية الانصهار بالليزر، وهي إحدى طرق الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تتيح تصنيع هياكل دقيقة ومخصصة للمريض.

وأنتجت هذه التقنية مواد ذات بنية ميكانيكية متباينة، حيث أظهرت الاختبارات الأولية أن الغرسات كانت أكثر مرونة في اتجاه معين مقارنة بآخر، مما أثر على القوة الهيكلية وأداء الغرسات الطبي.

ولحل هذه المشكلة، قام الفريق بتطبيق عملية معالجة حرارية من خطوتين، الأولى بتسخين المادة إلى 1150 درجة مئوية لمدة ساعة ثم تبريدها سريعًا بالماء، مما ساعد في تحسين انتظام بنيتها. الثانية تضمنت إعادة تسخين المادة إلى 450 درجة مئوية لمدة 30 دقيقة لتعزيز توازن خصائصها الميكانيكية. بعد هذه المعالجة، تحسنت قوة الغرسات ومرونتها بشكل ملحوظ، حيث تساوت قيم الاستطالة القصوى في جميع الاتجاهات، مما عزز مقاومتها للتآكل والإجهاد الميكانيكي.

غرسات مخصصة

ويقول الدكتور تشانغوي سونغ، الباحث الرئيسي في الدراسة، إن الطباعة ثلاثية الأبعاد تسمح بتصنيع غرسات طبية مخصصة بناءً على القياسات التشريحية الدقيقة لكل مريض، مما يعزز التوافق مع العظام ويقلل من المضاعفات. وأضاف أن تقنية الانصهار بالليزر توفر تحكمًا دقيقًا في البنية المجهرية، ما يسمح بتصنيع هياكل معقدة يصعب تحقيقها باستخدام أساليب التصنيع التقليدية. كما توفر هذه التقنية كفاءة أعلى في الإنتاج من خلال تسريع التصنيع وتقليل الفاقد من المواد.

وأشار إلى أن الغرسات الجديدة تتمتع بمتانة وموثوقية أكبر، ما يقلل من مخاطر الكسر أو الفشل أثناء الاستخدام المطول. كما أن تحسين بنية المعدن يساعد في توزيع الإجهادات بالتساوي، مما يزيد من قدرة الغرسات على تحمل الضغوط المختلفة بكفاءة أكبر، ويقلل من الحاجة إلى عمليات استبدال متكررة. ويسهم التصميم المخصص في تقليل الالتهابات والرفض المناعي، مما يسرّع من تعافي المرضى بعد الجراحة.

وتوقع سونغ أن تُحدث الطباعة ثلاثية الأبعاد تحولًا كبيرًا في تصنيع الغرسات العظمية، حيث تتيح إنتاج غرسات تتناسب بدقة مع البنية العظمية لكل مريض، وأن دمج المواد الحيوية مع الطباعة ثلاثية الأبعاد قد يؤدي إلى تطوير غرسات تتكامل بشكل طبيعي مع أنسجة الجسم في المستقبل.

قفزات تقنية

حققت الطباعة ثلاثية الأبعاد تقدمًا ملحوظًا في مجال جراحة العظام. في تشرين الأول 2024، طور باحثون من جامعة تكساس تقنية طباعة ثلاثية الأبعاد منخفضة التكلفة لإنشاء نماذج واقعية لعظم الفخذ، مما يساعد الأطباء في التحضير للعمليات الجراحية. تهدف هذه التقنية إلى توفير بديل أرخص وأسرع للاختبارات البيوميكانيكية مقارنة بالعظام الاصطناعية أو العظام المتبرع بها، حيث يتم تصنيع النسخة المطبوعة من حمض “البولي لاكتيك” الذي يتشابه في خصائصه البيوميكانيكية مع العظام البشرية.

كما طوّر فريق بحثي من جامعة واترلو الكندية مادة جديدة تحاكي خصائص أنسجة العظام، مما يفتح المجال لاستخدامها في الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج رقع عظمية مخصصة. وهذه التقنية توفر بديلاً مبتكرًا للغرسات المعدنية والعظام المتبرع بها، وتتمتع المادة الجديدة بقوة ميكانيكية عالية وقابلة للطباعة، مع إمكانية تحوّلها إلى نسيج عظمي طبيعي داخل الجسم.

وفي كانون الثاني 2021، طوّر فريق من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا حبرًا حيويًا يمكن استخدامه في الطباعة ثلاثية الأبعاد للعظام مباشرة داخل جسم المريض، مما يمثل تقدمًا كبيرًا في إصلاح العظام التالفة بسبب الإصابات أو السرطان.

تُعتبر هذه التطورات التقنية جزءًا من تقدم مستمر نحو تحسين العلاج الجراحي وتقديم حلول طبية مبتكرة لعلاج مشكلات العظام باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.

البحث