في أواخر تسعينيات القرن الماضي، قررت الفنانة المصرية نادية الجندي خوض تجربة جديدة وجريئة، بطرح موضوع الإرهاب من خلال السينما، وذلك عبر فيلم “أمن دولة”، الذي شاركها بطولته ياسر جلال، محمود حميدة، ومحمد مختار، ومن تأليف السيناريست الراحل مصطفى محرم.
من الفكرة إلى الواقع
بحسب ما أورده محرم في مذكراته “حياتي في السينما”، فقد بدأت الفكرة عندما تواصلت نادية الجندي معه ومع المخرج حسام الدين مصطفى لعرض فكرة تقديم فيلم يتناول قضية الإرهاب، خصوصاً بعد تصاعد حدته في مصر خلال تلك الفترة. وبالفعل، تمكنت من إقناعهما بجدوى المشروع.
سعت الجندي للحصول على دعم حقيقي من الجهات الأمنية لضمان واقعية السيناريو، فتواصلت مع اللواء رؤوف المناوي، مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية آنذاك، الذي رتب لهم لقاءً مع اللواء حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، والذي كان يشغل وقتها منصب رئيس جهاز أمن الدولة.
في اللقاء الثاني، عرض العادلي على صناع الفيلم قصصاً حقيقية من ملفات الأمن، فاختاروا قصة إرهابي كان يعيش في إسبانيا، ويجعل زوجته تعمل راقصة في ملهى ليلي للتمويه، وهي القصة التي بُني عليها سيناريو الفيلم، حيث تدور الحبكة حول استبدال الزوجة الأصلية بشبيهة لها من قِبل الأمن لاختراق التنظيم الإرهابي.
أزمة المخرج والبطلة
بعد كتابة السيناريو، انشغل المخرج حسام الدين مصطفى، فاستُعين بالمخرج نادر جلال. لكن الخلافات بدأت تظهر أثناء ترشيح الأبطال، حيث اختار جلال الفنان فاروق الفيشاوي لأداء دور زعيم التنظيم الإرهابي، فيما أصرت نادية الجندي على اختيار ياسر جلال، مبررة ذلك بضرورة منح الفرصة للجيل الجديد.
هذا الخلاف تسبب في توتر كبير، بلغ حدّ انفعال نادية الجندي على المخرج نادر جلال، مما أدى إلى مغادرته موقع التصوير مؤقتاً، بعد تدخل الكاتب مصطفى محرم لتهدئة الأجواء. لاحقاً، رجّحت الحسابات التجارية كفة ياسر جلال، خصوصاً أن أجره كان أقل بكثير من أجر الفيشاوي.
خلافات ما بعد التصوير
لم تتوقف الأزمات بعد انتهاء التصوير، إذ نشب خلاف جديد بين جلال والجندي أثناء مرحلة المونتاج، بعدما قرر المخرج حذف مشهد يجمعها بياسر جلال. وبعد مشاهدة المشهد، انحاز مصطفى محرم لقرار المخرج، وأُزيل المشهد فعلاً.
النجاح والتأثير
رغم الخلافات، حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً عند عرضه، وأشار مصطفى محرم في مذكراته إلى أن فيلم “مافيا” الذي قام ببطولته أحمد السقا ومنى زكي جاء لاحقاً كنسخة مستوحاة من روح “أمن دولة”، مؤكداً أن هذه التجربة فتحت الباب لأعمال سينمائية جادة تتناول قضايا الإرهاب بشكل درامي وإنساني.