جاء في “سكاي نيوز”:
تواجه أبل لحظة حاسمة في مسيرتها مع الذكاء الاصطناعي، بعدما اتسعت الفجوة بينها وبين أبرز منافسيها خلال الأعوام الماضية.
على الرغم من إطلاق حزمة Apple Intelligence في 2024 على أمل وضع أبل في مصافّ قادة الذكاء الاصطناعي، فإن ردود الفعل جاء معظمها دون التوقعات، لتجد الشركة نفسها مُطالَبة بإعادة تقييم أدواتها وقدراتها إذا أرادت أن تستعيد موقعها الريادي في سوق يتطور بسرعة قياسية.
شراكة بين أوبن إيه آي وفوكسكون لابتكار أجهزة ذكاء اصطناعي
منذ صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الواجهة مع إطلاق ChatGPT عام 2022، سارعت الشركات الكبرى إلى ضخ استثمارات هائلة في مراكز البيانات والرقاقات والنماذج المتقدمة، بينما التزمت أبل نهجًا أكثر تحفظًا، مستندة إلى سجلها الطويل في حماية الخصوصية وتشغيل النماذج على الأجهزة بدلًا من الاعتماد على السحابة. غير أن هذا النهج لم يعد كافيًا وحده، خصوصًا مع تزايد الضغوط لمواكبة الابتكار والتوسع في تطوير النماذج الأساسية بشكل يتناسب مع حجم المنافسة العالمية.
ورغم ذلك، لا تزال أبل تمتلك عناصر قوة كفيلة بإعادة تموضعها في قلب المنافسة. فالمبيعات القوية لآيفون 17، واحتياطياتها النقدية الضخمة، إلى جانب توجهها لزيادة إنفاقها على تطوير الذكاء الاصطناعي وإبرام شراكات جديدة مثل دمج ChatGPT في منتجاتها، كلها مؤشرات على أن الشركة تتحرك بخطة أكثر جرأة. وإذا نجحت في توظيف هذه المقومات ضمن استراتيجية متماسكة، فقد تعود أبل لتنافس بقوة وتعيد صياغة دورها في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي خلال السنوات المقبلة.
أحدث التطورات
أعلنت شركة أبل، يوم الاثنين، عن استقالة رئيس قسم الذكاء الاصطناعي لديها، في أكبر تغيير يطال فريق الذكاء الاصطناعي للشركة منذ إطلاق حزمة Apple Intelligence في عام 2024.
جون جياناندريا، الذي يشغل المنصب منذ انضمامه إلى الشركة في 2018، سيخلفه أمار سوبرامانيا، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي الذي عمل مؤخراً لدى مايكروسوفت، وكان سابقاً ضمن وحدة DeepMind التابعة لغوغل، وفقًا لملفه على لينكد إن.
جياناندريا كان يشغل منصب نائب أول للرئيس ويرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك. وأفادت أبل بأنه سيواصل العمل كمستشار حتى تقاعده في الربيع المقبل.
وبحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فإن هذا التغيير يأتي في وقت يقول فيه الخبراء إن أبل تراجعت خلف منافسيها في سباق الذكاء الاصطناعي، وهو المجال الذي شهد قفزة كبرى منذ إطلاق “أوبن إيه آي” لخدمة ChatGPT في عام 2022.
وكان من المفترض أن تضع حزمة Apple Intelligence الشركة في مصافّ قادة الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI وغوغل، إلا أن تقييمات المستخدمين والنقاد جاءت سلبية. وفي وقت سابق من هذا العام، تم تأجيل أحد أهم عناصر الحزمة – وهو نسخة مطوّرة بشكل كبير من المساعد سيري – حتى عام 2026، في إشارة إلى تحديات تطويرية.
وسيعمل سوبرامانيا كنائب لرئيس الذكاء الاصطناعي في أبل، على أن يرفع تقاريره لرئيس قسم البرمجيات كريغ فيدريغي، وفقًا للشركة. وسيقود فرق العمل المسؤولة عن النماذج الأساسية والبحث وسلامة الذكاء الاصطناعي. أما الفرق الأخرى التي كانت تتبع جياناندريا فستنقل إلى مدير العمليات سابيه خان ورئيس قسم الخدمات إيدي كيو، وفقًا لأبل.
أبل.. فرص وتحديات
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: شركة أبل لطالما عُرفت بسياساتها المحافظة تجاه قطاع الذكاء الاصطناعي، لا سيما فيما يتعلق بحماية بيانات المستخدمين، وهو ما شكّل أحد الأسباب الرئيسية لتباطؤ دخولها القوي في هذا المجال، إذ إن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطلب كميات ضخمة من البيانات لتحليلها وتطويرها.
ويضيف:
سياسة أبل الصارمة في ما يخص خصوصية البيانات وحماية معلومات العملاء جعلتها لفترة بعيدة نسبيًا عن الانخراط المكثف في قطاع الذكاء الاصطناعي، مقارنةً بمنافسين آخرين.
مع الاستثمارات الضخمة التي ضختها كل من غوغل ومايكروسوفت في هذا القطاع، وجدت أبل نفسها مضطرة لمواكبة هذا السباق والدخول بقوة في مجال الذكاء الاصطناعي.
أبل تمتلك احتياطياً نقدياً ضخماً يتيح لها اللحاق سريعاً بركب المنافسة.. ويُتوقع أن تسهم استثماراتها الكبيرة في هذا المجال في تعزيز موقعها التنافسي مستقبلًا.
ويشير إلى أن مبيعات آيفون 17 سجلت أرقاماً قوية للغاية وتفوقت على مبيعات سامسونغ، وهو ما يمنح أبل دفعة إضافية لإعادة التموضع واستعادة الريادة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
ويختتم حديثه بالقول إن هذه الاستثمارات مرشحة لأن تؤتي ثمارها على المدى المتوسط والطويل، بما يعزز مكانة أبل في سوق التكنولوجيا العالمي.
تأخر صانعة الآيفون
وعلى الرغم من ارتفاع أسهم أبل بنسبة 16 بالمئة حتى الآن خلال العام 2025، إلا أنها ما زالت متأخرة عن العديد من عمالقة التكنولوجيا الآخرين.
يرى المستثمرون أن الشركة لم تواكب المنافسين الذين يضخون مليارات الدولارات في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والرقاقات والنماذج المتقدمة.
وكانت أبل قد قالت في أغسطس إنها “ترفع بشكل كبير” من حجم إنفاقها على الذكاء الاصطناعي، في حين وصف الرئيس التنفيذي تيم كوك التقنية بأنها “عميقة التأثير”. كما عقدت الشركة صفقة مع OpenAI لدمج ChatGPT في بعض منتجاتها مثل سيري.
لكن أبل تلعب في مسار مختلف عن شركات مثل مايكروسوفت وغوغل وميتا، إذ تنفق مبالغ أقل بكثير على البنية التحتية، كما تفضّل تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على أجهزتها مباشرة بدلًا من الاعتماد على خوادم سحابية قوية.
خطوات متسارعة
من جانبه، يقول خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن شركة آبل تتخذ اليوم خطوات واضحة لإعادة تموضعها على خريطة المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد مرحلةٍ اعتُبرت فيها متأخرة عن كبار منافسيها مثل مايكروسوفت وغوغل.
ويُوضح الناطور أن تعيين الشركة لمسؤولٍ تنفيذيٍّ مخضرم سبق أن عمل في شركتين رائدتين يُعدّ إشارة مباشرة إلى أن آبل تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوصفه معركة وجود، وليس مجرد ميزة إضافية أو ضجة إعلامية في منتجاتها وخدماتها.
ويؤكد أن هذه الخطوة ليست عملية تجميلية لاستعادة الحصة السوقية، بل جزء من إعادة هيكلة واسعة داخل الشركة، خصوصًا بعد الانتقادات التي طالت أداء “سيري” وتأخرها في إطلاق قدرات ذكاء اصطناعي تضاهي المنافسين.
ويشير الناطور إلى أن التحدي الحقيقي أمام “آبل” لا يكمن في التعيينات فحسب، بل في قدرتها على الحفاظ على فرق الذكاء الاصطناعي داخلها ومنع تسرب الخبرات إلى الشركات المنافسة، مضيفاً أن سرعة دمج قدرات الذكاء الاصطناعي في منظومتها المتكاملة من الأجهزة والأنظمة التشغيلية يمنحها ميزة تنافسية مهمة.
ويتابع: آبل تمتلك نقاط قوة جوهرية قد تعيدها إلى الصفوف الأمامية، من أبرزها ولاء المستخدمين الكبير لنظامها، وتكامل أجهزتها وخدماتها مثل آي كلاود وآبل ووتش وآيباد وماك وآيفون.
ويؤكد أن التركيز الدائم على خصوصية المستخدم يمنح الشركة عنصرًا تنافسيًا في سوقٍ باتت فيه حماية البيانات من أبرز الأولويات. كما يشير إلى أن إدراك آبل المبكر لحجم الفجوة بينها وبين المنافسين، وسرعة تحركها لمعالجتها، يمثلان فرقًا جوهريًا بينها وبين تجربة نوكيا السابقة التي تأخرت في مواكبة التحولات التكنولوجية.
ويضيف الناطور: “بينما انتظرت نوكيا حتى تراجعت حصتها لتبدأ الإصلاح، تتحرك آبل اليوم في الوقت المناسب لإعادة البناء واستعادة ريادتها”.
ويحذر من أن تكرار آبل لأخطاء نوكيا قد يكون مكلفًا، موضحًا أن عليها ألا تقلل من إنجازات المنافسين مثل مايكروسوفت وغوغل وأوبن أي آي، بل أن تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كتحول جوهري لا كضجة مؤقتة. ويتابع قائلاً إن السوق اليوم لا تتنتظر التطوير البطيء، والاعتماد على قوة العلامة التجارية وحدها لم يعد كافياً، إذ قد تواجه الشركة المصير نفسه الذي واجهته نوكيا ان لم تستثمر بعمق في الابتكار والذكاء الاصطناعي.