جاء في نداء الوطن:
تُعدّ أزمة النفايات في لبنان من أكثر المشاكل تعقيدًا وتشابكًا، فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول جذريّة لها. وصحيح أن مشهد القمامة المتناثرة على الطرقات أصبح جزءًا يوميًا من حياة المواطنين، إلّا أنه لم ولن يصبح مشهدًا عاديًا أو مقبولًا بالنسبة لهم.
وتتجاوز أزمة النفايات مجرّد كونها مشهدًا بصريًا مزعجًا، فالأرقام تكشف عن حجم الكارثة. وبحسب مؤشر Pollution Index الصادر عن Numbeo، احتلّ لبنان، في العام 2025، المرتبة الثالثة عالميًا والأولى عربيًا في قائمة الدول الأكثر تلوّثًا، بمعدل صادم بلغ 89.6/100. وجاءت بيروت في المرتبة السادسة عالميًا من حيث مؤشّر التلوّث، مسجلة 94.1.
وبالغوص في صلب المشكلة، ينتج لبنان سنويًا نحو 2.65 مليون طن من النفايات البلدية، أي بمعدل 1.05 كلغ للفرد يوميًا. ورغم هذا الكمّ، لا يُعالج سوى 23 % فقط من النفايات (8 % تدوير، 15 % تحويل عضوي)، بينما يُرمى 77 % منها في مطامر ومكبّات عشوائية.
ومع أن المعالجة المعتمدة تزيد الطين بلّة، تُقدّر كلفة إدارة كل طن بـ154.5 دولارًا، ما يرفع الإنفاق السنوي إلى أكثر من 420 مليون دولار.
وفي موازاة ذلك، تعاني شركات نقل النفايات من تأخير في دفع مستحقاتها، ما دفعها إلى خفض نشاطها إلى نحو 70 %، لتأمين أجور النقل والعمال.
رئيس جمعية الأرض – لبنان بول أبي راشد لا يرى جديدًا في هذا الملف، حيث يوضح أن «النفايات موجودة بكل المناطق. وإذا بانَت المشكلة اليوم في منطقة دون أخرى، فهذا فقط لأن الانفجار متأخّر قليلاً».
صحيح أن هذا الملفّ يجب أن يوضع على سلّم أولويات الحكومة، إلّا أنه جرى حذف بند معالجة النفايات من البيان الوزاري، ما يستوجب المساءلة، وفق أبي راشد.
وفي وقتٍ تتقاذف فيه الجهات الرسمية المسؤوليات، يؤكد أبي راشد أنّ التقصير موزّع على جميع الأطراف:
«فالحكومات المتعاقبة سلّمت ملف النفايات إلى مجلس الإنماء والإعمار، وهذا المجلس بدوره يُموّل شركات خاصة تحتكر القطاع، وذلك من أموال الصندوق البلدي المستقل».
المشكلة ليست بغياب الحلول، حيث يوضح أبي راشد أنه ومنذ العام 2015 وملف النفايات يراوح مكانه والأسباب تتضمّن الاحتكار وسوء المعالجة. ويذكر أن «الحلول موجودة، لكنها لا تخدم مصالح مافيا النفايات، التي تحقق أرباحًا طائلة من الإدارة السيئة».
ويحذّر أبي راشد من خطر داهم قد يضعنا في وضع أسوأ، شارحاً أنّ «هناك مافيا جديدة تنتظر دورها، وهي مافيا المحارق، والتي تستعدّ لنقلنا من أزمة الطمر العشوائي إلى كارثة الحرق».
الحلول إذًا تحتاج إلى إرادة سياسية وخطوات جريئة، وأبرز ما يجب القيام به، وفقًا لأبي راشد:
- إصدار قرار يُلزم جميع البلديات بتطبيق مرسوم الفرز من المصدر رقم 5605، وإنشاء مراكز استلام مخصّصة للنفايات المفروزة.
- منع تصدير المواد القابلة لإعادة التدوير، والعمل على تسهيل إنشاء وتشغيل مصانع التدوير ومصانع إنتاج الوقود البديل.
- تسهيل إنشاء مراكز لتسبيخ النفايات العضوية، إلى جانب مطامر صحية مدروسة تُخصّص للمرفوضات، توزّع بشكل عادل على مختلف الأقضية.
الجدير بالذكر هو أن بعض البلديات خاضت تجربة الفرز بشجاعة ونجحت، ونذكر منها بكفيا، شكا، بيت مري، عين دارة، وتنورين. في المقابل، ما زالت الغالبية متردّدة، وتحتاج إلى دفع فعلي من الجهات المعنية، بحسب أبي راشد.
إن أزمة النفايات لم تعد تحتمل التأجيل أو التسويف، فالبيئة وصحّة الناس في خطر، والحل يبدأ بقرار سياسي جريء يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار.