حذّرت دراسة نفسية حديثة من أن الشباب والمراهقين الذين يمرّون بأفكار انتحارية يظهرون علامات تحذيرية مبكرة لا ينتبه إليها الأهل أو البالغون في أغلب الأحيان، مما يترك تلك الإشارات النفسية دون تدخل أو دعم في الوقت المناسب.
الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة «ماكجيل» الكندية ونُشرت في مجلة JAMA Psychiatry في الأسبوع الأخير من يوليو، تابعت بيانات لأكثر من 1600 طفل في مقاطعة كيبيك الكندية على مدى 25 عاماً، في واحدة من أعمق الدراسات الطولية حول الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.
نمطان واضحان للخطر
كشفت النتائج عن نمطين لظهور الأفكار الانتحارية: الأول يبدأ في سن المراهقة المبكرة (بين 12 و13 عاماً)، والثاني في بداية العشرينات (بين 20 و25 عاماً). وفي كلا النمطين، وُجدت علامات نفسية وسلوكية تسبق ظهور الأفكار الانتحارية، بعضها كان ظاهراً كالسلوك العدواني والتخريبي (الأعراض الخارجية)، والبعض الآخر خفياً كالاكتئاب، والقلق، وانخفاض قيمة الذات (الأعراض الداخلية).
أكد الباحثون أن الانتحار هو السبب الثاني للوفاة بين المراهقين في كندا، وأن لكل حالة انتحار فعلية نحو مئة محاولة فاشلة، ما يدلّ على أن التفكير في الانتحار منتشر أكثر مما يدركه الأهالي والمعلمون.
إشارات لا يجب تجاهلها
من بين العلامات التي قد تدل على وجود خطر: الانسحاب الاجتماعي، فقدان الشغف بالحياة، السخرية من الذات، التفكير في الموت، التخلي عن الممتلكات الشخصية، تعاطي مواد مخدّرة، أو الانخراط في سلوكيات خطرة مثل القيادة المتهورة أو إيذاء النفس.
وحذّرت الدراسة من أن تحسّن الحالة النفسية المفاجئ بعد فترة من الأزمات قد لا يكون مؤشراً إيجابياً، بل علامة على أن المراهق حسم قراره بالانتحار، وهو ما يفرض على الأهل اليقظة وتقديم المساعدة المتخصصة.
دور الأهل: الإنصات والاحتواء
شجّعت الدراسة الأهل على التحدّث مع أبنائهم بصراحة، وسؤالهم مباشرة عن مشاعرهم وأفكارهم، من دون إصدار أحكام أو التقليل من شأن الألم النفسي الذي يشعرون به. كذلك، يجب الابتعاد عن النصائح الجاهزة أو الغضب، والتركيز على تقديم الحب والدعم والاستعانة بأخصائي نفسي فوراً عند ظهور أي إشارات مقلقة.
وشدّدت الدراسة على أهمية الوقاية المبكرة، خصوصاً بعد صدمات نفسية مثل فقدان شخص عزيز، أو التعرض للتنمّر، أو الفشل الاجتماعي، أو الاعتداء الجسدي أو العاطفي. ففي هذه الحالات، لا يكفي الدعم العائلي وحده، بل يتطلب الأمر متابعة نفسية متخصصة تُنقذ حياة شاب ربما لم يتكلم، لكن علامات الخطر كانت واضحة أمام من لم ينتبه.