السباق التكنولوجي

تواجه أوروبا تحديًا حاسمًا يتمثل في تخلفها عن الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا مثل الولايات المتحدة والصين. ففي وقت تُعتبر التكنولوجيا المحرك الأساسي للنمو والإنتاجية، تقف القارة الأوروبية عند مفترق طرق وسط تساؤلات جدية حول قدرتها على مواكبة التحول الرقمي المتسارع.

كشف تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” بعنوان “كيف تخسر أوروبا سباق التكنولوجيا العالمي؟” أن أوروبا تتخلف بشكل واضح في تأسيس شركات تكنولوجية عملاقة على غرار أبل أو ميتا أو غوغل، مما يعرقل نموها الاقتصادي. وأشار التقرير إلى أن عدد الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها المليار دولار في أوروبا أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة والصين، وهي مؤشرات هامة على مستوى الابتكار والاستثمار الرأسمالي.

يرجع جزء من هذا التراجع إلى الطبيعة الجغرافية والسياسية لأوروبا، التي تضم أكثر من 30 دولة تختلف قوانينها ولغاتها وثقافاتها، ما يصعب توحيد الأسواق وتحقيق النمو السريع. كما أن حجم رأس المال الاستثماري الأوروبي يشكل حوالي خُمس ما هو متوفر في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أوروبا متأخرة في الإنفاق على البحث والتطوير، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على المنافسة.

وأشار التقرير إلى أن انخفاض الإنتاجية الأوروبية مقارنة بنظرائها الأميركيين يعكس هذا التخلف التكنولوجي، إذ كان إنتاج العامل الأوروبي في أواخر التسعينيات يعادل 95% من إنتاج نظيره الأميركي، لكنه تراجع اليوم إلى أقل من 80%. ويُعزى هذا الانخفاض إلى العمل لساعات أقل وثقافة تركز على الاستقرار الوظيفي أكثر من المخاطرة.

من جانبهم، يؤكد خبراء أن العوامل الثقافية والتنظيمية تلعب دورًا مهمًا في هذا التأخر، حيث تميل أوروبا إلى التشريعات الصارمة والبيروقراطية التي تعيق الاستثمارات، بالإضافة إلى تشريعات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) التي تزيد الأعباء على الشركات الناشئة مقارنة بالبيئات التنظيمية الأكثر مرونة في الولايات المتحدة وآسيا.

محمد سعيد، العضو المنتدب لشركة “أي دي تي” للاستشارات التكنولوجية، وصف الوضع قائلاً إن أوروبا تواجه “فجوة متنامية” في مجال التكنولوجيا بسبب نقص رأس المال الاستثماري، وحرص المستثمرين على الحذر، وصعوبة توحيد الأسواق، ما يدفع الشركات الناشئة إلى البحث عن فرص في الخارج.

ويضيف سعيد أن أوروبا تعاني أيضًا من هجرة العقول إلى وادي السيليكون، مما يحرمها من الكفاءات الضرورية لقيادة الابتكار. وبدون شركات تكنولوجية عملاقة، تفقد أوروبا فرص نمو في قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والذكاء الاصطناعي.

وفيما يخص الذكاء الاصطناعي، يؤكد سعيد أن استثمارات أوروبا الحكومية والخاصة ما تزال أقل بكثير من نظيرتيها في الولايات المتحدة والصين، مشيرًا إلى أن التفتت التشريعي والثقافي يحد من توسع الشركات الأوروبية مقارنة بالسوق الموحدة الأميركية أو الصينية.

أما أحمد بانافع، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه، فيبرز أربعة أسباب رئيسية لتخلف أوروبا: نقص الاستثمار ورأس المال المخاطر، البيئة التنظيمية المعقدة، ثقافة المخاطرة المنخفضة ونقص المواهب، وقلة التركيز والتعاون بين الدول الأوروبية.

ويختم بانافع مشيرًا إلى أن هذه التحديات تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة والصين، مع اتساع فجوة الناتج المحلي الإجمالي التي تُعزى إلى انخفاض الإنتاجية وقلة الاستثمارات في البحث والتطوير، مما يضعف جاذبية أوروبا للمستثمرين الأجانب ويهدد تنافسيتها المستقبلية.

البحث