رجل أمام البنك المركزي الأوروبي

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تجد أوروبا نفسها أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة صياغة جذرية لدورها على الساحة الدولية. فمع تراجع الدور التقليدي للولايات المتحدة في قيادة النظام الاقتصادي العالمي، تسعى القارة العجوز إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي، وتطوير سياساتها المالية والتجارية، وترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي العالمي.

تراجع الدور الأمريكي وتأثيره على الاقتصاد العالمي

يشير المحلل البريطاني كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي في معهد تشاتام هاوس، إلى أن السياسات الاقتصادية التي انتهجها الرئيس الأمريكيدونالد ترامب قد أدت إلى إعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بشكل جذري. وقد تجلى ذلك في فرض رسوم جمركية كبيرة على التجارة الأمريكية، والتخلي عن القواعد الدولية، والتشكيك في التحالفات الأمنية، والانسحاب من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي والأمراض والفقر.

ويرى بتلر أن الولايات المتحدة، التي كانت تعتبر قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدراً رئيسياً لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، حيث تبدو سياساتها مدفوعة بمصالح وطنية ضيقة ونهج قائم على المعاملات، دون اعتبار للقيم والمبادئ والقواعد والتحالفات طويلة الأمد.

وقد أدت هذه السياسات إلى تأثيرات سلبية على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بمراجعة توقعات النمو لعام 2025 وخفضها بمقدار 0.4 نقطة مئوية إلى 1.7%، في حين انخفض مؤشر “ستاندارد آند بورز 500” بنسبة 7% عن ذروته في فبراير الماضي.

أوروبا كقوة بديلة لقيادة الاقتصاد العالمي

يرى بتلر أن انهيار النظام الاقتصادي الحالي يشكل تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي، مما يدفعه إلى قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد.

ويؤكد بتلر أن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي يتمتع بالحجم الاقتصادي (18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، والعملات القابلة للتحويل، والقدرات الاقتصادية والعلمية، والكفاءة التنظيمية، ونظام الحوكمة القائم على القانون، ومجموعة التحالفات الاقتصادية الدولية اللازمة للقيام بهذا الدور.

وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي بالفعل خطوات حاسمة في هذا الاتجاه، حيث أعلن عن رد انتقامي قوي ضد الرسوم الجمركية الأمريكية، وطرح مقترحات للتمويل الجماعي لدعم نظام دفاع أوروبي مستقل، وقامت ألمانيا برفع قيود الاقتراض الدستورية لتمويل الإنفاق المحلي على البنية التحتية والدفاع.

خطوات مستقبلية لتعزيز الدور الأوروبي

يرى بتلر أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز دوره في قيادة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك صياغة رؤية للنظام الاقتصادي الدولي الجديد، وإعطاء الأولوية لتنفيذ التوصيات بشأن تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية، وبناء الثقة والتعاون مع الدول الأخرى لدعم نظام عالمي جديد.

ويؤكد بتلر على أهمية العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في هذا السياق، باعتبارها شريكاً أساسياً في الحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد.

البحث