توصل فريق بحثي دولي، بقيادة جامعة غراتس الطبية بالنمسا، إلى اكتشاف آلية جديدة تفسر أحد أسباب الالتهاب المزمن في مرض التهاب القولون التقرحي. هذه النتائج، التي نُشرت اليوم الاثنين في دورية “Nature Communications”، تُمهد الطريق نحو ابتكار استراتيجيات علاجية أكثر دقة، تساعد في تقليل الالتهاب المزمن لدى المرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات الحالية أو يعانون من انتكاسات متكررة.
يُقدّر عدد المصابين بالتهاب القولون التقرحي، وهو أحد أمراض الأمعاء الالتهابية المزمنة، بأكثر من 5 ملايين شخص حول العالم. ويتميز هذا المرض بنوبات متكررة من الالتهاب في بطانة القولون، إلا أن أسبابه الدقيقة ظلت حتى الآن غير مفهومة بالكامل.
“حصان طروادة” بكتيري يفاقم الالتهاب
كشف الفريق عن آلية جديدة ومثيرة تسهم في نشوء هذا الالتهاب المزمن. بعد تحليل عينات من سوائل القولون وأنسجة مرضى القولون التقرحي، اكتشف الباحثون أن البكتيريا الموجودة في الأمعاء لا تؤثر فقط من خلال وجودها المباشر، بل أيضًا من خلال إفرازها لحويصلات مجهرية صغيرة تُعرف باسم “الحويصلات البكتيرية خارج الخلية” (BEVs).
تحمل هذه الحويصلات مكونات بكتيرية مثل البروتينات، وأجزاء من الحمض النووي، ومادة تحفّز الالتهاب. وفي الأشخاص المصابين بالتهاب القولون التقرحي، لوحظ أن عددًا كبيرًا من هذه الحويصلات يكون مغلفًا بنوع من الأجسام المضادة يُسمى “IgA”. ورغم أن IgA يلعب في الأصل دورًا في حماية الأغشية المخاطية من البكتيريا الضارة، إلا أن هذا التغليف، في هذه الحالة، يؤدي إلى نتيجة عكسية.
ترتبط هذه الحويصلات المغلفة بـ”IgA” مباشرة بمستقبل خاص على بعض الخلايا المناعية في الأمعاء يُدعى “CD89”. وعندما يحدث هذا الارتباط، تستجيب الخلايا المناعية بشكل مفرط، وتُطلق استجابة التهابية قوية تؤدي إلى تلف الأنسجة واستمرار الالتهاب في القولون.
لأول مرة، تم التعرف على أن الحويصلات البكتيرية الصغيرة، التي كانت تُعتبر سابقًا مجرد نفايات خلوية أو أدوات نقل بكتيرية، تلعب دورًا محوريًا في نشوء الالتهاب عند تغليفها بـ”IgA”. ويشبّه الباحثون هذه الآلية بـ”حصان طروادة”، حيث تبدو الحويصلات المغلفة بريئة أو غير ضارة، لكنها في الحقيقة تحمل شحنات التهابية يتم إدخالها إلى الخلايا المناعية عن طريق الجسم المضاد (IgA)، مما يؤدي إلى تفاقم الالتهاب.
آمال بعلاجات جديدة
على الرغم من توفر علاجات تستهدف الجهاز المناعي، فإن العديد من مرضى القولون التقرحي لا يستجيبون بشكل جيد أو يعانون من انتكاسات متكررة. ويعتقد الباحثون أن هذه الحويصلات البكتيرية قد تُشكّل هدفًا علاجيًا جديدًا، يمكن من خلاله تطوير علاجات تمنع تكوّن الحويصلات، أو تغليفها بـ”IgA”، أو حتى تعيق تفاعلها مع المستقبل (CD89).
أضاف الباحثون أن الدراسة تسلط الضوء على أهمية النظر إلى الميكروبيوم المعوي من زاوية جديدة، لا تقتصر فقط على نوعية البكتيريا الموجودة، بل تمتد لما تفرزه هذه البكتيريا، وكيفية تفاعل جهاز المناعة مع هذه الإفرازات.