الجراثيم

تُعرف الميتوكوندريا بشكل رئيسي كمصدر الطاقة داخل الخلايا، إلا أن الدراسات الحديثة كشفت عن دورها الحيوي في الجهاز المناعي، حيث تتجاوز توليد الطاقة لتشمل مهام معقدة مثل السيطرة على الالتهابات والاستجابة للعدوى.

أظهرت دراسة جديدة أن الميتوكوندريا تلعب دورًا رئيسيًا في استشعار نشاط البكتيريا، ومساعدة خلايا العدلات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، على محاصرتها والقضاء عليها. على مدار 16 عامًا، ركز الباحثون على كيفية اتخاذ الخلايا المناعية لقراراتها أثناء العدوى، وكشفوا عن صلة محتملة بين خلل الميتوكوندريا وضعف الدفاع المناعي، خاصة لدى مرضى المناعة الذاتية مثل الذئبة.

العدلات هي أكثر خلايا الجهاز المناعي وفرة، وتعمل كخط الدفاع الأول من خلال إطلاق ما يُعرف بـ”مصائد العدلات خارج الخلية” (NETs)، وهي شبكات لزجة تحبس الميكروبات وتمنع انتشارها. وُجد أن الميتوكوندريا تستطيع اكتشاف مركب اللاكتات الذي تفرزه البكتيريا داخل جسيم البلعمة (الفاجوسيت)، مما يحفز العدلات على إنتاج هذه المصائد والبدء في مهاجمة الجراثيم.

عندما تُمنع الميتوكوندريا من استشعار اللاكتات، تفشل العدلات في إطلاق المصائد بشكل فعال، ما يسمح للبكتيريا بالهرب والتكاثر، مما يبرز أهمية هذه الآلية في الدفاع المناعي. ويُعتبر هذا اكتشافًا فريدًا لأن الميتوكوندريا تستطيع استشعار إشارات من بكتيريا محاصرة داخل مساحة منفصلة داخل الخلية، مما يعكس تنسيقًا عاليًا بين مكونات الخلية.

تنتمي هذه الدراسة إلى مجال الأيض المناعي، الذي يكشف كيف يؤثر أيض الخلايا على وظائف الجهاز المناعي، حيث تلعب الميتوكوندريا دورًا مركزيًا في ضبط الاستجابة المناعية بناءً على البيئة الخلوية.

وقد فسرت النتائج سبب ضعف مقاومة مرضى الذئبة للعدوى، حيث تبين أن ميتوكوندريا خلايا العدلات لديهم لا تستجيب بشكل صحيح للّاكتيت، ما يقلل من فعالية إنتاج مصائد العدلات، رغم نشاط جهازهم المناعي المزمن.

هذا الاكتشاف يسلط الضوء على دور الميتوكوندريا في تحقيق توازن دقيق بين فرط نشاط المناعة وضعفها، ويوفر فرصًا علاجية جديدة لتعزيز الدفاعات المناعية أو تقليل الالتهابات المفرطة، من خلال استهداف آليات استشعار الميتوكوندريا.

في المستقبل، قد تساعد هذه النتائج في تطوير أدوية تعزز استشعار الميتوكوندريا لتحسين مقاومة العدوى، أو تقلل من الاستجابات المناعية المفرطة في أمراض مثل كوفيد-19 والمناعة الذاتية، مما يفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض المناعية.

البحث