إذا لاحظت أن بطنك ينتفخ أكثر من المعتاد بعد تناول الطعام، فاعلم أن الأمر ليس مجرد خيال. إذ مع التقدم في العمر، تتباطأ عملية الهضم، مما يؤدي إلى بقاء الطعام لفترة أطول في الجهاز الهضمي، وهو ما يزيد من احتمالية تراكم الغازات وظهور الانتفاخ.
في هذا السياق، يوضح الدكتور كايل ستالر، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد، أن “كلما طالت مدة بقاء الطعام في الجهاز الهضمي، زادت فرص تكون الغازات وتراكمها، ما يؤدي إلى الانتفاخ.”
شكل الغازات وتأثيرها على البطن
البطن بطبيعته يتمدد لاستيعاب الغازات الناتجة عن عملية الهضم، حيث يتفاعل الحجاب الحاجز وعضلات البطن للمحافظة على شكله. لكن عندما تزيد كمية الغازات عن الحد الطبيعي، قد لا يستطيع الجسم التعامل معها، مما يؤدي إلى بروز البطن والشعور بالانتفاخ.
الجدير بالذكر أن هناك فرقًا بين الانتفاخ (Bloating)، وهو الإحساس بالامتلاء والضغط، والتمدد (Distension)، وهو التورم الفعلي للبطن. كلا الحالتين قد يسببان شعورًا بعدم الراحة يتفاوت من خفيف إلى شديد.
وعادةً ما يكون الانتفاخ عرضًا مؤقتًا وغير مقلق، حيث يستطيع الجسم التخلص من الغازات إما عبر التجشؤ أو إخراجها من البطن. ويمكن استخدام أدوية مضادة للغازات مثل Gas-X التي تحتوي على مادة السيميثيكون (simethicone) لتخفيف الأعراض، رغم أن فعاليتها ليست مثبتة بشكل قاطع علميًا.
عندما تكون الأعصاب السبب
في بعض الحالات، لا يكون السبب في كمية الغازات نفسها، بل في رد فعل الجسم تجاهها. بعض الأشخاص لديهم حساسية عصبية زائدة، مثل من يعانون من متلازمة القولون العصبي (IBS). في هذه الحالات، يتفاعل الجسم بشكل غير طبيعي مع الغازات، مما يؤدي إلى انتفاخ حتى عند وجود كميات طبيعية منها.
وفقًا للدكتور ستالر، “في بعض الأشخاص، يحدث عكس ما هو متوقع: ينبسط الحجاب الحاجز وتسترخي عضلات البطن، مما يسمح ببروز الغازات وتضخم البطن.” وتساعد أساليب الارتجاع البيولوجي في إعادة تدريب الجسم على الاستجابة الطبيعية.
انتبه لما تأكله
غالبًا ما يكون الانتفاخ مرتبطًا بالنظام الغذائي، وليس بالضرورة بنوع الطعام فحسب، بل بكيفية تفاعل الجسم معه. بعض الأطعمة تحتوي على سكريات يصعب هضمها، تُعرف باسم فودماب (FODMAPs)، وتشمل:
القمح، الجاودار
البصل، الثوم
البقوليات (عدس، حمص، فاصوليا)
العسل، الفستق، الكاجو
بعض الفواكه، الهليون، الخرشوف
المحليات الصناعية، والمشروبات المحلاة بالفركتوز
تؤدي هذه الأطعمة إلى تخمير مفرط في الأمعاء، ما يزيد الغازات. أيضًا، يعاني بعض الأشخاص من عدم تحمل اللاكتوز، وهو السكر الموجود في منتجات الألبان، بسبب نقص إنزيم اللاكتاز المسؤول عن هضمه.
كما أن تناول الأطعمة الدهنية قد يؤدي إلى الانتفاخ، إذ تُبطئ هذه الدهون من تفريغ المعدة. كذلك، يُعتبر الإمساك المزمن سببًا شائعًا للانتفاخ، خاصةً إذا كان عدد مرات التبرز أقل من ثلاث مرات في الأسبوع، مع براز صلب أو جاف، وصعوبة في الإخراج.
متى يكون الانتفاخ علامة لحالة صحية أعمق؟
في بعض الحالات، قد يكون الانتفاخ المستمر أو المتكرر علامة على وجود مشكلة صحية كامنة، منها:
متلازمة القولون العصبي (IBS): تتضمن انتفاخًا، تقلصات، واضطرابات في حركة الأمعاء.
داء الأمعاء الالتهابي (IBD): مثل التهاب القولون التقرحي وداء كرون، وهما حالتان ناتجتان عن التهابات مزمنة.
الداء البطني (Celiac disease): مرض مناعي يسبب تفاعل الجسم مع الغلوتين.
في حالات نادرة: قد يكون الانتفاخ عرضًا أوليًا لسرطان القولون، المعدة، أو البنكرياس.
وينصح ستالر بمراجعة الطبيب عند وجود أعراض مقلقة مثل:
براز دموي أو أسود
فقدان وزن غير مبرر
إسهال مزمن
انتفاخ شديد ومفاجئ
كيف تتخلص من الانتفاخ؟
الخطوة الأولى هي تحديد الأطعمة التي تسبب الانتفاخ لديك. ينصح ستالر بالبدء بتجنب منتجات الألبان، ثم تقليل الأطعمة الغنية بالفودماب.
وفي حال عدم وضوح المسبب، يُفضل استشارة اختصاصي تغذية، حيث يمكنه مساعدتك على اتباع نظام غذائي إقصائي (استبعاد الأطعمة واحدًا تلو الآخر، ثم إعادتها تدريجيًا لتحديد المسبب).
كما ينصح بالابتعاد عن المشروبات الغازية، وتناول الطعام ببطء، وتقسيم الوجبات لتقليل كمية الهواء المبتلع أثناء الأكل.
الخلاصة:
الانتفاخ شائع ويمكن التعامل معه في معظم الحالات من خلال تعديلات في النظام الغذائي والعادات اليومية. أما إذا كان الانتفاخ شديدًا أو متكررًا ويصاحبه أعراض أخرى، فيجب مراجعة الطبيب لاستبعاد وجود مشاكل صحية أكثر جدية.