التوأم الرقمي يكشف الحالة الصحية والأمراض المستقبلية

في تطور علمي لافت، أصبح بالإمكان اليوم إنشاء “توائم رقمية معرفية” للبشر، بفضل التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الحيوية، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم العقل البشري والتنبؤ بالحالة الصحية للإنسان، قبل ظهور أي أعراض فعلية.

فريق بحثي مشترك من عدة جامعات مرموقة نجح في تطوير نموذج توأم رقمي معرفي، يعمل كنسخة رقمية تحاكي القدرات الإدراكية والذهنية للشخص، وتُحلل البيانات المستخرجة من الأجهزة اليومية مثل الساعات الذكية، مستشعرات النوم، وأجهزة تتبع النشاط البدني.

هذا التوأم لا يراقب فقط مؤشرات مثل معدل ضربات القلب أو جودة النوم، بل يستخدمها لتوقّع التغيرات العقلية والمزاجية، كما يقترح تمارين ذهنية وأنشطة تدريبية مخصصة للحفاظ على الصحة المعرفية وتحسين الأداء العقلي قبل الوصول إلى مراحل الخطر.

الفكرة تقوم على مبدأ أن الوقاية أفضل من العلاج، إذ لا يكتفي هذا النموذج الذكي بجمع البيانات وتحليلها، بل يتعلم منها بشكل مستمر، ويُعدّل توصياته تبعًا للحالة الجسدية والنفسية للمستخدم في كل لحظة. ويشبه دوره قائد أوركسترا رقمي، يُنسّق الإشارات المختلفة من الجسم والعقل، ويوجه المستخدم نحو أفضل السلوكيات الممكنة.

ويتوقع الخبراء أن يمتلك كل شخص في المستقبل القريب “توأمه المعرفي الرقمي” الذي يُرافقه كرفيق شخصي طبي وعقلي، قادر على ملاحظة التدهور في الذاكرة أو تراجع التركيز، والتدخل مبكرًا لتصحيح المسار.

هذه التقنية ليست فقط أداة مراقبة، بل تُعدّ تحولًا جذريًا في مفهوم الرعاية الصحية الشخصية، إذ تُمكن الفرد من أن يصبح أكثر وعيًا بحالته الذهنية والنفسية، ويأخذ زمام المبادرة في تحسين صحته.

وبينما لا تزال هذه التوائم الرقمية في مراحلها الأولية من الاستخدام العام، إلا أن التوقعات تشير إلى أنها ستكون أحد أبرز الإنجازات العلمية في مجال الطب والإدراك البشري في القرن الحادي والعشرين، وقد تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية كما هو الحال اليوم مع الهواتف الذكية.

في عالم يتجه سريعًا نحو الرقمنة والتخصيص، يبدو أن “التوأم المعرفي الرقمي” سيكون الشريك الجديد للإنسان في رعاية ذاته والتنبؤ بمشكلاته قبل أن يواجهها.

البحث