شهد مؤتمر “ساس إنوفيت 2025” (SAS Innovate 2025)، الذي انعقد في أورلاندو بالولايات المتحدة، إعادة تعريف شاملة لمفهوم التوأم الرقمي. لم يعد يُنظر إليه كنسخة ثابتة من الواقع، بل كنظام حيّ قائم على البيانات الفورية والذكاء الاصطناعي، قادر على اتخاذ قرارات وتحقيق تحوّلات ملموسة في مختلف القطاعات الصناعية.
واليوم، تتجه الصناعات العالمية نحو عمليات أكثر ذكاءً وكفاءة ومرونة، حيث أصبح التوأم الرقمي جسرًا تقنيًا يربط بين التحديات الواقعية وحلول المحاكاة الافتراضية.
شراكة استراتيجية تعيد تشكيل الواقع الافتراضي
لتسريع هذا التحوّل، دخلت “ساس” في شراكة مع شركة “إيبك غيمز” (Epic Games)، مطورة محرك “أنريل إنجن” (Unreal Engine). وتهدف هذه الشراكة إلى دمج تحليلات SAS المتقدمة ووكلاء الذكاء الاصطناعي مع بيئات ثلاثية الأبعاد واقعية، لتوفير منصات محاكاة متطورة تستند إلى البيانات.
من بين المستفيدين من هذه التقنية، شركة “جورجيا باسيفيك” (Georgia-Pacific) التي تستخدم التوأم الرقمي لاختبار وتحسين عملياتها التشغيلية في بيئة افتراضية، مما يحد من المخاطر ويعزز السلامة والعائد على الاستثمار.
التوأم الرقمي: من المراقبة إلى اتخاذ القرار
على خلاف المحاكاة التقليدية، يُغذّى التوأم الرقمي ببيانات حية من أجهزة استشعار وكاميرات ونظم تشغيل، مما يمكّنه من التفاعل اللحظي مع الأحداث. وبفضل الذكاء الاصطناعي، لا يكتفي التوأم الرقمي بالتنبؤ بالسيناريوهات، بل يعيد تشكيلها، ويتيح اختبار حالات نادرة يصعب محاكاتها في العالم الواقعي.
تسعى SAS إلى استخدام هذه التوائم كأدوات حقيقية لصنع القرار، عبر دمج الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، والواجهات التفاعلية، والبيئات البصرية الغامرة، لتسهيل العمل على فرق متعددة التخصصات.
تجارب حية داخل بيئات افتراضية
في مصنع “سافانا ريفر هيل” التابع لشركة “جورجيا باسيفيك”، طورت SAS توأمًا رقميًا لمحاكاة حركة المركبات الآلية ضمن المصنع. وقد مكّنت هذه التجربة من اختبار سيناريوهات حرجة مثل الأعطال أو الحوادث في بيئة خالية من المخاطر، باستخدام تقنيات مثل “رياليتي سكان” من “إيبك غيمز” ومنصة “Viya” التحليلية من SAS.
وكلاء الذكاء الاصطناعي: العقل المدبر للتوائم الرقمية
تعتمد بيئات SAS الافتراضية على ثلاثة أنواع من وكلاء الذكاء الاصطناعي:
وكلاء مضمّنون مسبقاً داخل منصة Viya لمهام صناعية شائعة.
وكلاء مخصصون مصمَّمون لتلبية احتياجات خاصة.
وكلاء مستقلون قادرون على العمل ضمن أنظمة خارجية متعددة عبر بروتوكولات مفتوحة.
يؤكد أودو سجلافو، نائب رئيس الذكاء الاصطناعي في SAS، أن هذه الوكلاء تتجاوز مجرد الرصد، إلى توقع الأحداث وتحسين العمليات بشكل ذاتي.
التوأم الرقمي كمختبر رقمي
يصف ويليام كوليس، رئيس تحليلات الألعاب والمحاكاة في SAS، التوأم الرقمي بأنه “مختبر تجريبي حي”، حيث تتدفق البيانات من محرك “Unreal” إلى نماذج SAS وتعود لتُحدث تغييرات ديناميكية في البيئة الافتراضية. هذا النظام يسمح بمحاكاة دقيقة لاضطرابات سلاسل الإمداد، واختبار بروتوكولات السلامة، وتوقّع أعطال المعدات قبل وقوعها.
تطبيقات متعددة القطاعات
لم تعد التوائم الرقمية مقتصرة على التصنيع؛ فقد امتدت إلى الرعاية الصحية لمحاكاة تدفق المرضى داخل المستشفيات، وفي المدن الذكية لنمذجة حركة المرور، وكذلك في القطاع المالي لاختبار المحافظ الاستثمارية واستراتيجيات الأمن السيبراني.
“ساس” والقرار الذكي
مع اقتراب SAS من الاحتفال بعامها الخمسين، أكدت الشركة أن التوأم الرقمي يمثل نموذجاً جديداً لاتخاذ القرار. يقول براين هاريس، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في SAS: “نحن لا نقدم الإجابات فقط، بل الثقة في صحة تلك الإجابات، وهذه هي ميزة القرار الحقيقية”.
الرسالة التي خرج بها المؤتمر كانت واضحة: التوأم الرقمي لم يعد تقنية مستقبلية، بل واقع حاضر يشكّل الطريقة التي تُدار بها الشركات وتُصنع بها القرارات.