شهد فن الجداريات أو ما يُعرف بـ”الغرافيتي” انتشاراً واسعاً في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، لا سيما منذ انطلاق الحراك الشعبي، حيث تحوّل إلى وسيلة بديلة للشباب للتعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية. إلا أن هذا الفن ظل، في نظر السلطات، عملاً غير مرحّب به، يُعتبر تشويهاً للعمران والمشهد الحضري.
في شوارع الجزائر، يصعب أن تخطو خطوات دون أن تقع عيناك على رسومات أو عبارات، تتنوع بين شعارات لأندية رياضية، ومقولات اجتماعية، وأخرى تحمل مضامين سياسية، سواء كانت مباشرة أو مشفّرة، مما يعكس نبض الشارع ويُجسد واقعاً معاشاً بطرق غير تقليدية.
رسائل اجتماعية بعيداً عن السياسة
محمد أمين زيتوني، المعروف بلقب “ماڨو”، هو أحد أبرز فناني الغرافيتي في الجزائر. بدأ مشواره الفني عام 2016، متقناً أنواعه الثلاثة: “التاق”، و”الغرافيتي”، و”لاترينغ”. ورغم ما يحمله هذا الفن من إمكانية لتوجيه رسائل سياسية، يؤكد ماڨو في حديثه لموقع العربية.نت أنه يفضل التركيز على المواضيع الاجتماعية، متجنباً الرسائل السياسية التي قد تُعرّضه للمساءلة.
سبق أن أُدين مرتين بسبب أعماله الفنية؛ الأولى في 2018 حين أُجبر على دفع غرامة قدرها 200 دولار بسبب جدارية، والثانية في 2022 بسبب جمع تبرعات من المارة أثناء العمل على إحدى الجداريات في ملكية خاصة، وهي أيضاً كلفته غرامة مماثلة.
ورغم هذه التحديات القانونية، يرى ماڨو أن الوضع تغير تدريجياً، قائلاً: “لم يعد الغرافيتي فناً منبوذاً كما في السابق، فهناك اليوم مهرجانات تُقام في عدد من الولايات الجزائرية تحتفي بهذا الفن، ما يدل على تزايد التقبل المجتمعي له.”
فن تعبيري… لكنه خارج القانون
من جانبه، يرى جمال شرفي، الخبير الدولي في العمران ورئيس المجلس العربي الأعلى للعمارة والعمران وتطوير المدن، أن الغرافيتي ما زال غير معترف به قانونياً في الجزائر، شأنه شأن كثير من دول العالم، حيث يتعرض ممارسوه لعقوبات قانونية باعتبارهم يشوّهون الأماكن العامة.
وأضاف في حديثه لـالعربية.نت أن هذا الفن، رغم النظرة الرسمية السلبية، يُعدّ متنفساً حقيقياً للشباب، معبراً عن قضايا مثل البطالة والهجرة غير النظامية. وتابع: “الغرافيتي لم يعد مقتصراً على الأحياء الشعبية، بل تسلل حتى إلى الأحياء الراقية، ما يعكس انتشاره وعمق تأثيره.”
ولفت شرفي إلى أن فن الغرافيتي لعب دوراً محورياً خلال فترة الحراك الشعبي بين 2019 و2021، حيث ظهرت بوضوح رسومات سياسية تحمل مواقف شبابية جريئة. وأضاف: “في ظل الأنظمة التي تُقيّد الحريات، كما في بعض بلدان أميركا اللاتينية، يصبح الغرافيتي وسيلة مقاومة، ورسالة فنية ناطقة باسم الجيل الجديد.”
فن على الهامش… لكن لا يمكن تجاهله
رغم التحديات القانونية ونظرة السلطات السلبية، بات الغرافيتي في الجزائر لغة بديلة للشباب، تُعبّر عن واقعهم بجرأة، وتُمارس في الفضاء العام كصرخة بصرية. وبينما لا تزال القوانين تُصنّفه كتشويه، تُظهر الرسومات النابضة بالحياة أنه فنّ حيّ لا يمكن تجاهله، بل يجب فهمه كجزء من الديناميكيات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد.