يشهد عالم طب الأسنان تحولًا جذريًا مع التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد أداة مستقبلية، بل شريكًا فاعلًا في التشخيص والعلاج، مما يعزز الدقة ويقلل من الأخطاء البشرية.
وفي أحدث هذه التطورات، كشفت دراسة طبية دولية عن إمكانيات غير مسبوقة للذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأشعة البانورامية للأسنان، وهي الأكثر شيوعًا في تشخيص أمراض الفم. وتشير تقارير وزارة الصحة السعودية إلى إجراء ملايين الإجراءات العلاجية والوقائية سنويًا، بما في ذلك استخدام الأشعة السينية البانورامية.
وقد نشرت هذه الدراسة، التي تعد إنجازًا علميًا عالميًا، في فبراير 2025 على منصة arXiv، وهي نتاج تعاون دولي بين جامعة تايوان الوطنية، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ومركز جامعة رادباود الطبي في هولندا. ويعكس هذا التعاون الاهتمام المتزايد بدمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية لتحقيق كفاءة وعدالة أكبر.
وقد أظهرت نتائج الدراسة تفوقًا مذهلًا للذكاء الاصطناعي، حيث تمكنت الخوارزميات من تشخيص أمراض ما حول القمة الجذرية بدقة حساسية أعلى بنسبة 67.9% من الأطباء، وبسرعة تحليل تفوقهم بـ79 مرة. كما حافظ النظام على دقة تحليل بلغت 96.2% في ثماني حالات سريرية مختلفة عبر بيانات من هولندا والبرازيل وتايوان، مما يدل على قدرته على التكيف مع تنوع الصور والسكان، بينما لا تتجاوز دقة تحليل أكثر أطباء الأسنان خبرة 65%. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النظام دقة في تحديد الأسنان المفقودة والكشف المبكر عن الأورام السرطانية قبل عامين من اكتشافها بالعين المجردة.
وتسلط الدراسة الضوء على إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في المناطق ذات البنية التحتية الطبية المحدودة كأداة داعمة في العيادات الريفية ومراكز الرعاية الأولية، لتوفير تشخيص أولي عالي الدقة ومنصة تعليمية للأطباء المبتدئين.
وقد شارك في إعداد الدراسة باحثون بارزون من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس الطابع العالمي للبحث وأهمية التعاون الدولي في دفع الابتكار الطبي.
وعلى الصعيد الإقليمي، تتيح هذه التكنولوجيا فرصة كبيرة للدول العربية التي تواجه تحديات في التشخيص الشعاعي للاستفادة منها في تطوير جودة الرعاية الصحية وتقليل التكاليف، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من نقص في أطباء الأسنان.
وتمثل هذه الدراسة بداية لمستقبل جديد في طب الأسنان، حيث سيتحول الذكاء الاصطناعي إلى شريك أساسي في اتخاذ القرارات الطبية، ومن المتوقع دمجه في أنظمة إدارة العيادات وتخطيط الجراحات والتنبؤ بمشكلات الأسنان المستقبلية. ويبقى السؤال مفتوحًا حول طبيعة العلاقة بين الإنسان والآلة في هذه المهنة النبيلة، لكن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة في مستقبل الطب.