الذكاء العام الاصطناعي

أبلغ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال مكالمة خاصة، أن الذكاء العام الاصطناعي (AGI) سيظهر قبل نهاية ولايته الرئاسية الحالية، في إشارة إلى اقتراب تحقق هذا الإنجاز التكنولوجي. كما يذهب داريو أمودي، رئيس شركة «أنثروبيك» المنافسة، إلى التنبؤ بحدوث ذلك في وقت أقرب، بينما يرى إيلون ماسك أن الأمر قد يتحقق بنهاية العام الجاري.

حلم الذكاء الشبيه بالبشر

الذكاء العام الاصطناعي، وهو نظام يمكنه مجاراة قدرات العقل البشري المتعددة، لم يعد مجرد فكرة خيالية، بل بات موضوعاً للنقاش الجاد في أوساط وادي السيليكون. ومع التطورات السريعة في روبوتات الدردشة مثل «تشات جي بي تي»، تعززت التكهنات بأن هذه التقنية باتت على وشك الوصول إلى ما يُعرف بـ«الذكاء الخارق» (Superintelligence) – مستوى من الذكاء يفوق قدرات الإنسان.

ومع ذلك، لا يزال AGI مفهوماً غير محدد علمياً، ولا يوجد تعريف دقيق له. فالمقارنة بين قدرات البشر والآلات تخضع لاعتبارات شخصية وفلسفية بقدر ما تخضع للقياس العلمي.

بين التفاؤل التكنولوجي والتشكيك العلمي

رغم وعود الشركات التكنولوجية، يؤكد العديد من الباحثين أن التقنيات الحالية بعيدة عن تحقيق ذكاء يعادل الذكاء البشري. يقول نيك فروست، مؤسس شركة «كوهير» والباحث السابق في «غوغل»: «ما نبنيه اليوم مجرد أدوات تتنبأ بالكلمة أو البكسل التالي، وليس تفكيراً بشرياً».

وفي استطلاع حديث أجرته «جمعية النهوض بالذكاء الاصطناعي»، أعرب ثلاثة أرباع الباحثين المشاركين عن شكوكهم في أن الأساليب الحالية ستقود إلى تطوير ذكاء عام اصطناعي فعلي. أحد الأسباب الرئيسية هو أننا لا نملك حتى الآن فهماً موحداً لما يعنيه الذكاء البشري نفسه.

التفكير الحالم والحقائق الغائبة

تعتمد التوقعات المتفائلة حول AGI على استقراءات إحصائية أكثر من اعتمادها على إنجازات فعلية. فالآلات اليوم قد تفوقت على البشر في مهام محددة – مثل الرياضيات أو كتابة النصوص بسرعة – لكنها لا تزال تفتقر إلى القدرات الإدراكية والعاطفية والتكيفية التي يتمتع بها الإنسان.

يقول ستيفن بينكر، عالم الإدراك في جامعة هارفارد: «ليس هناك نظام آلي شامل قادر على حل كل المشكلات. هذه الأنظمة ليست معجزات، بل أدوات متقدمة فحسب».

التقدم السريع… لكن بشروط

تعتمد روبوتات الذكاء الاصطناعي اليوم على الشبكات العصبية، التي تتعلم من كميات هائلة من البيانات. وقد أظهرت تقنيات مثل «AlphaGo»، التي تغلبت على بطل العالم في لعبة «غو»، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التعلم من خلال التجربة والخطأ، وهو ما يُعرف بالتعلم المعزز. لكن تكرار هذا النجاح في مجالات أكثر تعقيداً يتطلب وقتاً وجهداً هائلين.

الفجوة بين الإنسان والآلة

رغم الإنجازات، لا تزال الآلات تعاني من فجوة عميقة مقارنة بالقدرات البشرية المتنوعة، خصوصاً في التعامل مع البيئة المادية والتفاعلات الإنسانية المعقدة. ويقول جوش تينينباوم، أستاذ العلوم المعرفية في MIT: «الذكاء البشري ليس فقط في اللغة والمنطق، بل في التفاعل مع العالم الحقيقي».

الذكاء الاصطناعي ما زال يحتاج إلى البشر، ليس فقط كمستخدمين، بل كمصدر للأفكار والتجارب والمعاني، كما يشير ماتيو باسكينيللي، أستاذ الفلسفة في جامعة كا فوسكاري.

بين الحلم العلمي والأسطورة

الخيال حول إنشاء ذكاء بشري اصطناعي ليس جديداً، بل يمتد إلى قرون من الأساطير والقصص. واليوم، بات من السهل أن نُخدع بالتطور الظاهري لأنظمة الكتابة والتحدث، فنظن أن AGI بات قاب قوسين.

لكن التاريخ يذكّرنا بأن التوقعات المتفائلة حول الذكاء الاصطناعي غالباً ما تفشل في تحقيق مواعيدها. وقد يكون الوصول الحقيقي إلى AGI بحاجة إلى فكرة جديدة كلياً – لم تظهر بعد – ومتى تظهر، فإن تطويرها سيستغرق سنوات.

وبينما يستمر السباق، يبقى السؤال الأهم: هل نحن نقترب فعلاً من بناء عقل يشبه عقولنا؟ أم أننا فقط نحلم بصوت أعلى؟

البحث