يتفاقم الوضع الإنساني في منطقة الساحل الأفريقي بشكل متسارع، حيث يُواجه أكثر من 28 مليون شخص خطر الجوع الحاد، نتيجة مزيج قاتل من الجفاف والتغيّر المناخي والصراعات المسلحة والانقلابات السياسية، في حين تجد المنظمات الإنسانية نفسها محاصَرة بين حكومات تتهمها بالتجسس وجماعات إرهابية تتوعدها بالعنف.
وبحسب تقارير أممية، تُعد مالي وبوركينا فاسو والنيجر من أكثر الدول تضررًا، إذ يعتمد أكثر من 15 إلى 17 مليون شخص فيها على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. لكن هذه المساعدات تُواجه عراقيل متزايدة: من جهة، الأنظمة العسكرية الجديدة تُضيّق الخناق على عمل المنظمات، ومن جهة أخرى، الجماعات الإرهابية تمنع مرورها أو تهاجمها مباشرة.
ففي بوركينا فاسو، ألغت السلطات تصاريح عمل 21 منظمة غير حكومية خلال شهر واحد فقط، بينما جُمدت أعمال منظمات أخرى لـ3 أشهر بذريعة “أسباب إدارية”. أما مالي، فقد منعت نشاط كل منظمة تموَّل من فرنسا، وفرضت ضريبة جديدة بنسبة 10% على تمويل الجمعيات الإنسانية.
وفي النيجر، اتهمت السلطات العديد من المنظمات بأداء “مهام تخريبية” تخدم أجندات خارجية، وفرضت عليها مواءمة أنشطتها مع أولويات الدولة، في مقدمتها الأمن والاقتصاد.
في المقابل، تُصعّد الجماعات المسلحة مثل “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بالقاعدة، من لهجتها ضد المنظمات الإنسانية، متوعدةً باستهداف أي جهة لا تلتزم بـ”المبادئ الدينية” التي تتبناها. وقد أدى ذلك إلى انسحاب منظمات من مناطق كاملة، كما حدث في مدينة ماين سوروا بالنيجر، التي شهدت هجومًا عنيفًا من “بوكو حرام” عام 2020.
النتيجة: جوع متصاعد وموارد غير كافية
وفق الأمم المتحدة، قُتل 26 عامل إغاثة على الأقل منذ بداية عام 2024 في دول الساحل، بينما وقع أكثر من 100 حادث أمني استهدف فرق الإغاثة. وفي ظل انعدام الأمن، أصبحت بعض المنظمات تعتمد فقط على موظفيها المحليين، فيما لجأت أخرى إلى النقل الجوي لتجاوز الطرق غير الآمنة رغم تكلفته الباهظة.
ورغم كل هذه المخاطر، فإن الجوع لا ينتظر. ففي غرب ووسط أفريقيا، يُقدّر أن نحو 50 مليون شخص مهددون بانعدام الأمن الغذائي، معظمهم في منطقة الساحل. ومع ذلك، لم يُموّل من خطة الاستجابة الإنسانية البالغة 4.3 مليار دولار سوى جزء ضئيل حتى الآن.
ويحذر تقرير أممي من أن “واحداً من كل خمسة أشخاص في الساحل يحتاج إلى مساعدات عاجلة”، لكن في المقابل، يتراجع حضور المنظمات يوماً بعد يوم، إما بفعل العنف أو بسبب قرارات سياسية تجعلها بين فكّي كماشة.
ويختصر أحد عمال الإغاثة الواقع بقوله:
“مرافقة الجيش قد تحمينا من جهة، لكنها تجعلنا أهدافاً مباشرة من جهة أخرى… نُحاصر بين نيران لا نملك سلاحًا للنجاة منها.”