القميص البرتقالي

في الثلاثين من سبتمبر من كل عام، تقف كندا أمام ماضٍ مثقل بالجراح، بإحياء ذكرى ما يُعرف بـ”يوم القميص البرتقالي”، لتسليط الضوء على المأساة التي تعرض لها أطفال السكان الأصليين داخل نظام المدارس الداخلية التي عملت على محو هويتهم الثقافية بالقوة، طوال أكثر من 150 عامًا.

تعود جذور هذه المناسبة إلى نظام تعليمي استعماري بدأ في ثلاثينيات القرن التاسع عشر واستمر حتى عام 1996، هدفه الرئيسي كان “إعادة تأهيل” أطفال السكان الأصليين بانتزاعهم قسرًا من عائلاتهم، وعزلهم عن لغاتهم وثقافتهم، بهدف دمجهم في المجتمع الأوروبي الكندي الجديد.

من القميص إلى الرمز

مصطلح “القميص البرتقالي” مستوحى من قصة واقعية ترويها “فيليس ويبستاد”، إحدى الناجيات من هذه المدارس. حين كانت في السادسة من عمرها، اشترت لها جدتها قميصًا برتقاليًا جديدًا قبل إرسالها إلى المدرسة الداخلية. إلا أن القميص أُنتزع منها فور وصولها، لتبدأ رحلة طويلة من القمع الثقافي. وفي عام 2013، أطلقت فيليس حملة “يوم القميص البرتقالي”، والتي تبنتها لاحقًا “جمعية رؤساء الأمم الأولى”، وأعلنت 30 سبتمبر يومًا وطنيًا لإحياء الذكرى.

أرقام موجعة وجرائم بلا عقاب

خلال فترة عمل هذه المدارس، تم اقتياد نحو 150 ألف طفل من السكان الأصليين قسرًا، أي ما يقارب 30% من أطفالهم. كانت هذه المؤسسات تُدار في البداية من قبل الكنائس بدعم حكومي، وكانت تهدف إلى “قتل الهندي في الطفل”، كما وُصف لاحقًا.

النتائج كانت كارثية: سوء تغذية، أمراض منتشرة، وفاة الآلاف، حظر استخدام اللغات الأصلية، قمع المعتقدات والعادات، وبيئة قاسية مليئة بالإهمال والعنف الجسدي والنفسي.

أغلقت آخر مدرسة فدرالية داخلية – مدرسة “غوردون” في ساسكاتشوان – أبوابها عام 1996. وبعد 12 عامًا، في عام 2008، أصدرت الحكومة الكندية اعتذارًا رسميًا للناجين وعائلاتهم، لكن الجراح لا تزال مفتوحة.

الوجه المظلم يطفو على السطح

في مارس 2021، صُدمت كندا والعالم باكتشاف مقبرة جماعية غير موثقة تضم رفات أكثر من 200 طفل، قرب موقع إحدى المدارس الداخلية السابقة في مقاطعة كولومبيا البريطانية. الاكتشاف جدد الغضب الشعبي، وأعاد فتح ملف الانتهاكات المرتكبة باسم التعليم والإصلاح.

من الألم إلى الوعي

بين عامي 2008 و2015، عملت “لجنة الحقيقة والمصالحة” على توثيق شهادات الناجين، وإتاحة منصة لسرد معاناتهم، في محاولة لفهم حجم الضرر ومداواة جزء منه عبر الاعتراف الرسمي.

ويهدف “يوم القميص البرتقالي” إلى رفع الوعي العام بتاريخ هذه الانتهاكات، وإحياء ذكرى الأطفال الذين لم يعودوا أبدًا إلى منازلهم، ومساندة من نجوْا من التجربة، والدفع نحو مصالحة حقيقية بين السكان الأصليين وبقية المجتمع الكندي.

البحث