النوم


قبل اختراع الكهرباء والشاشات الحديثة، كان للنوم روتين مختلف تماماً. في عالم ما قبل الصناعة، لم يكن الناس ينامون في فترة واحدة متواصلة، بل على مرحلتين تعرفان بالنوم الأول والنوم الثاني، يفصل بينهما ساعة أو ساعتين من اليقظة الهادئة، يمارس فيها الإنسان الصلاة أو القراءة أو التأمل. لم يكن هذا النوم ثنائي الطور علامة على الأرق، بل نمط حياة طبيعي يتوافق مع إيقاع الجسم قبل أن تغير الحياة العصرية شكل الليالي.

تشير دراسة نُشرت في 2018 إلى أن الضوء الاصطناعي يعيق الإيقاع اليومي للجسم عن طريق تأخير إفراز هرمون الميلاتونين، المسؤول عن تنظيم النوم، وأن الإضاءة الكهربائية والأنشطة المسائية كانت أسباباً رئيسية لاختفاء النوم المجزأ في المجتمعات الحديثة.

كان النوم ثنائي الطور شائعاً في أوروبا وأفريقيا وأجزاء من آسيا، حيث ينام الناس بعد غروب الشمس لمدة أربع ساعات تقريباً، ثم يستيقظون منتصف الليل للقيام بأنشطة هادئة قبل العودة إلى النوم حتى الفجر. خلال فترة الاستيقاظ الليلية، كانت المنازل مضاءة بالشموع، ويقضي الناس وقتهم في الكتابة أو التأمل أو التواصل مع الأهل. بعيداً عن القلق، كانت هذه الفترة تعتبر سلمية ومغذية للروح، تعزز الإبداع والتأمل وتقلل التوتر.

قبل الكهرباء، كان النوم مرتبطاً بشروق الشمس وغروبها، والإيقاع الطبيعي يسمح بإفراز الميلاتونين بعد الغسق مباشرةً، مما يجعل النوم المبكر طبيعياً ويحفز الراحة النفسية والجسدية. أما اليوم، فمع الإضاءة الاصطناعية والشاشات والعمل في الليل، تقل إنتاجية الميلاتونين، وتتأخر فترات النوم، مما أدى إلى دمج فترتي النوم في واحدة طويلة ومعقدة.

السجلات التاريخية توضح أن النوم المجزأ كان ممارسة شائعة بين جميع طبقات المجتمع في القرون الوسطى، ولم يكن الاستيقاظ منتصف الليل مصدر قلق، بل فرصة للتأمل والهدوء. ومع الثورة الصناعية، فرضت جداول العمل والإضاءة الاصطناعية نمط النوم الحديث أحادي الطور، مع اختفاء فترات اليقظة الليلية الطبيعية.

اليوم، يشير علماء النوم إلى أن فترات الاستيقاظ القصيرة بين النوم الأول والثاني طبيعية، وأن القلق بشأنها هو نتاج الثقافة الحديثة، وليس خللاً بيولوجياً. إدراك هذه العلاقة يمكن أن يساعد في تطبيع النوم، ويعيد للإنسان شعوراً بالراحة والتوازن، عبر احترام إيقاع الجسم الطبيعي بدلاً من التقيّد بنمط نوم صارم وموحد.

النوم ثنائي الطور يذكّرنا بأن الراحة كانت دائماً متوافقة مع الإيقاع الداخلي أكثر من الروتين المفروض، وأن الجسم قادر على التكيف مع أنماط مختلفة من النوم إذا ما احترمنا طبيعته، سواء من خلال فترتين من الراحة الليلية أو جلسة نوم واحدة متواصلة. الجوهر هو الانسجام مع الإيقاع البيولوجي، ما يعزز الصفاء الذهني، ويقلل التوتر، ويجعل النوم أداة فعلية للرفاهية وليس مجرد واجب روتيني.

البحث