كتب أندريه مهاوج في “نداء الوطن”:
في لحظة إقليمية حسّاسة واحتمالات تصعيد خطيرة على الحدود الجنوبية، أوفدت فرنسا مبعوثتها الدبلوماسية آن-كلير لوجاندر إلى بيروت في محاولة لمواكبة حركة الاتصالات وزيارات المبعوثين العرب والدوليين والبقاء على مقربة من مساعي معالجة الملف اللبناني. الزيارة تحمل رسائل واضحة وحازمة أكثر من كونها بروتوكولية، وتعكس مخاوف متزايدة في باريس من تدهور الوضع السياسي والاقتصادي، ومن هشاشة التوازن الأمني الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة.
هذه هي خلاصة الجوّ العام السائد في باريس استنادًا إلى التسريبات السياسية والتحليلات في الصحافة المتابعة للتطوّرات في الشرق الأوسط الناجمة عن عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من حروب ومن بينها الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل.
زيارة آن-كلير لوجاندر إلى بيروت ليست مجرّد زيارة روتينية في ظروف عادية. فباريس ترسل مبعوثة لأن مستوى التوتر في الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في لبنان يقترب من نقطة الانفجار، وفرنسا تريد تجنب سيناريوين كارثيين أوّلهما حرب واسعة بين “حزب اللّه” وإسرائيل وثانيهما الانهيار الكامل للدولة اللبنانية إذا ما استمرّت سياسة التأخير في اتخاذ موقف حاسم من تنفيذ الوعود والابتعاد عن إيجاد الأعذار والالتفاف على الاستحقاقات التي التزم بها أركان السلطة.
لبنان يقترب من الخطر
رسالة المبعوثة الفرنسية جاءت بلا تجميل: فباريس لا تطرح نزع سلاح “حزب الله” كشرط فوريّ، لكنها تشير بوضوح إلى أن استمرار واقع “الدولة الموازية” يجعل لبنان رهينة المخاطر الإقليمية، ويضع اقتصاده وسمعته السياسية في مهبّ أيّ مواجهة عسكرية.
وتقول مصادر دبلوماسية فرنسية إن باريس تتحرّك ضمن تفاهمات عربية إقليميّة، وهي تخشى أن يدفع لبنان ثمنًا مضاعفًا في حال توسّع الحرب مثل حصول موجة نزوح جديدة وأضرار هائلة في البنى التحتية والمنشآت العامة خصوصًا، إضافة إلى احتمال تراجع اهتمام المجتمع الدولي وانهيار ما تبقى من مؤسّسات الدولة.
الإصلاحات لم تُنفذ والوعود لا تكفي
يرى متابعون للملف اللبناني أن الانقسام السياسي والتعطيل وحسابات القوى التقليدية تقف حاجزًَا أمام أي تغيير، وحتى الآن لم تُترجم أيّ من هذه الملفات إلى خطوات فعلية.
يقول مصدر دبلوماسي فرنسي في باريس إن لبنان لم ينجز بعد اتفاقًا كاملًا مع صندوق النقد الدولي ولم يضع خطة مالية شاملة ولا خطة نهوض اقتصادي متكاملة، ولم يتمّ التصويت على قانون الفجوة المالية، ولا توجد إرادة سياسية موحّدة حول أهداف واحدة وحول طريقة إنجازها.
وفق المصدر، فإن التأخير سيجعل مع مرور الوقت الثقة الدولية بلبنان تتآكل، وإن زيارة لوجاندر تأتي في إطار نقل هذه الرسائل إلى اللبنانيين وتجديد استعداد فرنسا لمساعدتهم في تفادي حرب جديدة وللنهوض والإعمار مجدّدًا، ولكن عليهم عدم التأخر في تنفيذ ما تقدّم لمصلحة بلدهم إذا ما أرادوا مساعدة المجتمع الدولي وانعقاد مؤتمرات الدعم المالي. أضاف المصدر أن رسالة لوجاندر واضحة فإمّا أن يتحرّك أركان السلطة أو أن تتكرّر الأزمات من دون أن يجد لبنان هذه المرّة من يمدّ اليد إليه.