شهد قطاع البتروكيماويات العالمي في السنوات الأخيرة تحديات عميقة، تكبّد خلالها خسائر كبيرة، مما أثار قلق المستثمرين والمتعاملين في السوق. ومع اقتراب عام 2025 من نهايته، تشير المؤشرات إلى أن القطاع يشهد مرحلة تحوّل مهمة، مدفوعة بفرص ناشئة وتطورات تقنية وتنظيمية قد تغيّر مسار الصناعة.
نمو متوقع رغم العثرات
بلغ حجم سوق البتروكيماويات العالمية نحو 640 مليار دولار في عام 2024، وتشير التقديرات إلى نموه بمعدل سنوي مركب يبلغ 7.3% ليصل إلى 675 مليار دولار بحلول عام 2030. وتُظهر توقعات طويلة الأجل أن السوق قد يتوسع ليبلغ 1.2 تريليون دولار بحلول 2034، بنمو سنوي قدره 6.11% اعتبارًا من 2025 فصاعدًا.
هذا النمو يعكس الدور الحيوي للبتروكيماويات في دفع الطلب العالمي على الطاقة، إذ من المتوقع أن يسهم القطاع بأكثر من ثلث نمو الطلب على النفط بحلول عام 2030، ويصل إلى نصف النمو العالمي بحلول 2050.
فرص في الابتكار والأسواق الناشئة
رغم التحديات الهيكلية، يبرز عدد من المحفزات الإيجابية، أبرزها الابتكارات في الكيمياء الخضراء، مثل إعادة التدوير الكيميائي، والإيثيلين الحيوي، والميثانول الأخضر، وهي تقنيات تسهم في خفض الانبعاثات وتلبية المتطلبات البيئية.
ومن المتوقع أن يسجل الإنتاج الكيميائي العالمي نموًا بنسبة 3.5% في عام 2025، مدفوعًا بالطلب المتزايد على المواد البلاستيكية، لا سيما في قطاعات التغليف، التي تمثل أكثر من 17% من إنتاج البتروكيماويات، والبناء، حيث يُتوقع نمو سوق المواد المتقدمة في الولايات المتحدة بنسبة 32% هذا العام.
وتبرز آسيا كأكبر سوق إقليمي، مستحوذة على أكثر من 46% من السوق في 2024، مع نمو متوقع يصل إلى 4% سنويًا حتى 2033. كما تسجل الهند نموًا سريعًا، مع تقديرات بأن يصل حجم سوقها إلى 300 مليار دولار في 2025، مقارنة بـ220 مليارًا حاليًا، ومن المتوقع أن تبلغ تريليون دولار بحلول عام 2040.
في المقابل، تسعى دول الخليج والشرق الأوسط إلى استثمار احتياطياتها من النفط وانخفاض تكاليف الإنتاج لدفع نمو الصناعات التحويلية، ضمن استراتيجيات التنويع الاقتصادي.
تحديات الاستدامة والربحية
على الرغم من الفرص، لا يزال القطاع يواجه تحديات كبرى، منها:
تقلب أسعار المواد الخام مثل النفط والغاز الطبيعي.
لوائح بيئية صارمة للحد من الانبعاثات والتلوث.
ضغوط الاستدامة، بما في ذلك زيادة الطلب على المياه وتلوّث الهواء والمياه.
فائض الإنتاج العالمي، خاصةً في أوروبا، التي سجلت انخفاضًا بنسبة 2.8% في الإنتاج خلال النصف الأول من 2025، ما أدى إلى تراجع الهوامش الربحية لأدنى مستوياتها في عقد.
وفي أوروبا أيضًا، تواجه الشركات الكبرى أزمة عميقة، إذ بدأت مراجعة أصولها وخطط الإغلاق، نتيجة ركود اقتصادي ما بعد الجائحة وتوترات جيوسياسية وتحول عالمي نحو الطاقة النظيفة، ما أجبرها على إعادة ترتيب سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
عمليات اندماج واستحواذ لتعزيز التنافسية
في مواجهة هذه التحديات، برزت عمليات الاندماج والاستحواذ كوسيلة لتحسين الكفاءة وتعزيز القدرة التنافسية. فقد شهد عام 2025 نشاطًا لافتًا في هذا المجال، من أبرزها:
إعلان شركة أوكسيدنتال بتروليوم بيع وحدتها “أوكسي كيم” إلى بيركشاير هاثاواي مقابل 9.7 مليار دولار.
اندماج شركتي بورياليس وبوروج بدعم من شركة أدنوك الإماراتية، للاستحواذ على نوفا كيماويات بقيمة 13.4 مليار دولار.
ويأتي ذلك ضمن أكثر من 300 صفقة أُعلن عنها في 2024، ومن المتوقع أن يتواصل الزخم في 2025، مع تركيز على الاندماجات الإقليمية وتحسين سلاسل الإمداد.
التقنية والابتكار في صلب الاستراتيجية المستقبلية
يركز القطاع حاليًا على دمج التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لتحسين الأداء والكفاءة. وتشمل التطبيقات تحليل البيانات من المستشعرات للكشف المبكر عن الأعطال وخفض الانبعاثات.
وتملك الولايات المتحدة موقعًا رياديًا بفضل امتلاكها نحو 40% من الطاقة الإنتاجية العالمية المعتمدة على الإيثان، مستفيدة من ثورة الغاز الصخري والتقنيات الحديثة لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة التشغيلية.