لطالما اعتمد الأطباء على قياس مستويات الكوليسترول في الدم كأداة أساسية لتقييم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على مدى العقود الماضية. ورغم أن هذا الفحص ساعد في تحديد الأفراد الأكثر عرضة للخطر، إلا أن الأبحاث الطبية مستمرة سعيًا وراء طرق أكثر دقة لتقدير هذا الاحتمال.
في هذا السياق، توصلت دراسة حديثة مشتركة بين باحثين من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة إلى أن قياس مؤشرين محددين للبروتينات الدهنية في الدم قد يوفر تقييمًا أكثر دقة لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مقارنة بفحوصات الكوليسترول التقليدية.
الكوليسترول، وهو مادة شبيهة بالدهون ضرورية لوظائف الجسم، يعتبر عاملًا رئيسيًا في خطر الإصابة بأمراض القلب. لكن ارتفاع مستوياته وتراكمه في جدران الأوعية الدموية يمكن أن يؤدي إلى تكوين لويحات تعيق تدفق الدم وتزيد من احتمالية حدوث النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ينتقل الكوليسترول في الدم عبر البروتينات الدهنية، التي تشمل أربع فئات رئيسية. ثلاث من هذه الفئات تحتوي على بروتين “البروتين الدهني ب” (apoB)، الذي يمكن أن يترسب في الأوعية الدموية بكميات كبيرة، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب ويجعله يُعرف بـ “الكوليسترول الضار”. أما البروتين الدهني الرابع، وهو البروتين الدهني عالي الكثافة، فيساعد على إزالة الكوليسترول الزائد ويُعرف بـ “الكوليسترول الجيد”.
بدلًا من التركيز على قياس مستويات الكوليسترول التقليدية، اتجه الباحثون في دراستهم إلى تحليل البروتينات الدهنية التي تحمل الكوليسترول الضار، معتقدين أنها قد تكون مؤشرًا أكثر دلالة على خطر الإصابة بأمراض القلب في المستقبل.
قام الباحثون بتحليل عينات دم لأكثر من 200 ألف شخص غير مصابين بأمراض القلب من البنك الحيوي البريطاني، وقاموا بقياس عدد وحجم أنواع مختلفة من البروتينات الدهنية، مع التركيز بشكل خاص على تلك التي تحمل بروتين apoB. وخلال متابعة استمرت حتى 15 عامًا، فحصوا العلاقة بين أنواع البروتينات الدهنية وحالات النوبات القلبية المستقبلية.
تم تأكيد النتائج في دراسة سويدية مستقلة، مما سمح بإجراء تقييم شامل. وخلص الباحثون إلى أن قياس apoB، الذي يعكس العدد الإجمالي لجزيئات “الكوليسترول الضار”، يعتبر مؤشرًا أفضل لتقييم خطر الإصابة بأمراض القلب من اختبارات الكوليسترول التقليدية.
أظهرت الدراسة أن الفحوصات التقليدية للكوليسترول قد تقلل من تقدير الخطر لدى حوالي واحد من كل اثني عشر مريضًا. في المقابل، يمكن لفحص apoB أن يوفر دقة أكبر في تحديد المخاطر، مما قد يساهم في إنقاذ الأرواح. كما تبين أن عدد جزيئات apoB هو العامل الأكثر أهمية في تقييم هذا الخطر.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أن البروتين الدهني (أ) يلعب دورًا مهمًا في تحديد الخطر، وإن كان تأثيره أقل من تأثير عدد جزيئات البروتين الدهني (ب). وعلى الرغم من أن مستويات البروتين الدهني (أ) تمثل أقل من 1% من إجمالي البروتينات الدهنية “الضارة” لدى معظم الأشخاص، إلا أن ارتفاع مستوياته يرتبط بزيادة كبيرة في خطر الإصابة بأمراض القلب.
وأكد الباحثون أن اختبار الدم الذي يقيس مستويات apoB والبروتينات الدهنية الأخرى سيكون متاحًا تجاريًا، وبتكلفة معقولة وسهل الاستخدام.