تعيش مناطق الساحل السوري حالة من التوتر بعد ليلة مضطربة شهدت تصاعداً في التوتر الأمني، بالتزامن مع إعلان السلطات تنفيذ عمليات أمنية واسعة في محافظات اللاذقية وطرطوس وبانياس، وفرض حظر تجول في مناطق عدة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، حسن عبد الغني، يوم الجمعة، أن القوات الحكومية فرضت سيطرتها بالكامل على مدينتي طرطوس واللاذقية. ونقلت وكالة الأنباء السورية عنه قوله: “تواصل قواتنا التعامل مع آخر الجيوب الإجرامية، ويتم تسليم جميع المتورطين إلى الجهات الأمنية المختصة لمحاسبتهم وفق القانون”. كما وجه تحذيراً شديد اللهجة لمن يرفض تسليم سلاحه، مؤكداً أن الرد سيكون صارماً بلا تهاون، لافتاً إلى أن “عهد الاستبداد انتهى، وحزب البعث طُوي إلى غير رجعة”.
ودعا عبد الغني السكان الذين خرجوا لدعم قوات الأمن إلى العودة إلى مناطقهم، قائلاً: “نطمئن أهلنا الذين هبّوا لمؤازرة إخوانهم بأن الأوضاع تحت السيطرة، والعمليات مستمرة وفق الخطة المرسومة بدقة، فلا داعي للقلق”.
وفي سياق متصل، نقل التلفزيون السوري عن المتحدث قوله إن “فلول النظام السابق، بقيادة الرئيس المخلوع بشار الأسد، تسعى لإحداث انقسامات بين السكان في المناطق المختلطة طائفياً”، مشيراً إلى أن “ساعات قليلة تفصلنا عن إنهاء العملية ضد فلول النظام السابق”.
بدوره، كشف مصدر أمني في وزارة الداخلية أن اغتيالات عدة استهدفت عناصر من الشرطة والأمن، ما أدى إلى خروج حشود شعبية ضخمة إلى الساحل، الأمر الذي أسفر عن بعض التجاوزات الفردية، مؤكداً أن الجهات المختصة تعمل على ضبط هذه الانتهاكات التي “لا تمثل عموم الشعب السوري”.
وفي تطورات الوضع الميداني، أعلن قائد شرطة اللاذقية استعادة السيطرة الكاملة على المدينة ورفع الحصار عن المواقع الأمنية والعسكرية. فيما ذكرت صحيفة “الوطن” أن محافظة اللاذقية قررت تمديد حظر التجوال حتى التاسعة من صباح السبت، بينما أصدرت محافظة طرطوس بياناً مماثلاً، أشارت فيه إلى أن الحظر سيمتد حتى العاشرة صباحاً، مع السماح بالخروج لأداء صلاة الجمعة وفترة قصيرة قبل الإفطار.
أما على الصعيد العسكري، أرسلت وزارة الدفاع تعزيزات إضافية، شملت دبابات وعربات مدرعة إلى مناطق الاشتباك، عقب سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في المواجهات مع بقايا النظام السابق. وفي هذا السياق، برزت أسماء عدد من الضباط السابقين المتهمين بارتكاب انتهاكات، وسط أنباء عن تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا” بقيادة العميد غيث دلا، أحد أبرز قادة الفرقة الرابعة في الجيش السابق، والذي كان يحظى بدعم إيراني.
ولفتت مصادر عسكرية إلى أن المواجهات الأخيرة في جبلة بريف اللاذقية كانت ضد مجموعات تتبع العميد سهيل الحسن، الملقب بـ”النمر”، قائد الفرقة 25 في النظام السابق. وأعلنت قوات “الأمن العام” اعتقال اللواء إبراهيم حويجة، الرئيس السابق للمخابرات العامة، المتهم بتنفيذ مئات الاغتيالات، بينها اغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط.
وفي سياق متصل، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن ناشط سياسي مقيم في حمص قوله إن المجلس العسكري المشكَّل حديثاً هو “تحالف بين ضباط من النظام السابق وآخرين كانوا معارضين له، وبدعم من جهات دولية وإقليمية”، مشيراً إلى أن أهدافه “تتضمن المطالبة بحماية دولية وإسرائيلية وأممية، ما يعكس ارتباطه بأجندات خارجية”. وأضاف أن القادة الميدانيين في الساحل هم من الضباط السابقين الذين فروا إلى دول مجاورة، ويعودون منها عبر مناطق الشمال السوري.
ونبّه الناشط من تهميش المدنيين في الساحل، مشيراً إلى أن الفقر والجوع قد يدفعان بعضهم لحمل السلاح ضد السلطة، مؤكداً أن الوضع “في غاية الخطورة”. كما أشار إلى أن المجلس العسكري يطالب بتنفيذ القرار الدولي 2254، في تحرك متزامن مع مطالبات مماثلة في السويداء، حيث أعلنت مجموعات مسلحة تطالب بإدارة ذاتية، بعضها يتبع شيخ العقل موفق طريف.
وكان يوم الخميس قد شهد إعلان تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا” عبر بيان متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، حمل توقيع العميد غياث دلا، وهو من أبناء مدينة جبلة، مؤكداً أن هدفه الرئيسي هو “إسقاط السلطة في دمشق”.
بدوره، يعتبر الباحث في “مركز دراسات جسور”، وائل علوان، أن ما يجري في الساحل هو “عمل منظم يهدف إلى إثارة الفوضى وإخراج مناطق عن سيطرة الحكومة”، مستبعداً أن يكون الهدف إسقاط السلطة، نظراً إلى “عدم امتلاك مجموعات فلول النظام القوة العسكرية الكافية لذلك”. واعتبر أن الهدف الحقيقي هو الضغط على الحكومة والسيطرة على مناطق واسعة في الساحل، مع إعطاء انطباع بوجود صراع طائفي، بهدف استدعاء تدخل خارجي.
ولفت إلى أن “التدخل الخارجي هو أحد الأهداف الرئيسية لما جرى، لكن الأمور سارت بعكس المخططات، إذ أظهرت الأحداث أن الجماعات المهاجمة هي المعتدية، بينما لم تسجل اعتداءات طائفية من قبل القوات الحكومية”، معتبراً أن “التضامن الشعبي كان واضحاً في التصدي لهذه الفوضى”.
في غضون ذلك، خرجت مظاهرات مؤيدة للقوات الحكومية ووزارة الدفاع في حمص وحماة ودير الزور، بينما أُرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى الساحل، حيث بدأت الجمعة عمليات تمشيط واسعة داخل مدن اللاذقية وطرطوس وبانياس. كما شهدت الحدود السورية-اللبنانية تحركات عسكرية مكثفة تحسباً لأي هجوم محتمل، لكن مصادر أمنية أكدت أن الوضع الحدودي ظل هادئاً.
وفي دمشق، سادت أجواء من التوتر، حيث سُمع إطلاق نار في بعض الأحياء مثل حي الأمين وجبل الورد في الهامة، ما أثار مخاوف من أعمال انتقامية. وأكدت مصادر محلية أن إطلاق النار كان محدوداً ويهدف إلى ردع أي تحركات من قبل “فلول النظام السابق”، مشيرة إلى أن عشرات الشباب سارعوا إلى دعم قوات الأمن لضبط الأوضاع ومنع انتشار الفوضى.