في 30 أكتوبر 1910 حصل العالم الروسي بوريس روزينغ (1869-1933) على براءة اختراع طريقة النقل الكهربائي للصور عن بعد، وهو ما يُعتبر اليوم رسميًا ميلاد التلفزيون الحديث.
قد يبدو للبعض أن جهاز التلفزيون مجرد صندوق صغير نضعه في غرفة الجلوس، لكنه في الواقع نافذة سحرية تسمح لنا برؤية عوالم ومدن وأحداث تبعد آلاف الكيلومترات. السر وراء هذه “السحرية” يعود إلى اختراع روزينغ الذي فتح الباب أمام الانتقال من الأنظمة الميكانيكية لنقل الصور إلى نظام إلكتروني بالكامل.
كيف كان يعمل اختراع بوريس روزينغ؟
يمكن تقسيم العملية إلى ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: تقطيع الصورة إلى أجزاء
تخيل معي هذا المشهد: لديك صورة على ورقة تريد إرسالها إلى مكان آخر. كيف يمكن نقلها عبر الأسلاك؟
الحل كان: ننظر إلى الصورة سطرًا سطرًا، مثلما نقرأ كتابًا.
بوريس روزينغ وفريقه صنعوا آلة تحتوي على مرايا دوارة تعمل مثل ماسح ضوئي. هذه المرايا تقوم بمسح الصورة خطًا تلو الآخر، وتحوّل كل جزء من الصورة إلى نقاط مضيئة ومطفأة. هذه الطريقة جعلت الصورة تصبح قابلة للمعالجة الكهربائية.
المرحلة الثانية: تحويل الضوء إلى إشارات كهربائية
الضوء الذي جمعه الماسح الضوئي يُسلَّط على خلية السيلينيوم الضوئية. هذه الخلية تعمل مثل مستشعر ضوء ذكي للغاية:
إذا كانت النقطة في الصورة مضيئة → تسمح بمرور تيار كهربائي قوي.
إذا كانت النقطة مظلمة → يسمح بمرور تيار ضعيف.
نتيجة هذا التحويل: تتحول الصورة إلى رسالة كهربائية يمكن إرسالها عبر الأسلاك، حيث كل نقطة من الصورة تمثل نبضة كهربائية بقوة محددة.
بهذه الطريقة، صار بالإمكان نقل أي صورة من مكان إلى آخر عن طريق الكهرباء بدلًا من الاعتماد على البريد أو النقل الفيزيائي للصور.
المرحلة الثالثة: إعادة رسم الصورة على الشاشة
هنا يظهر عبقرية بوريس روزينغ. في جهاز الاستقبال، توجد شاشة أنبوب أشعة الكاثود، التي تُعتبر الجد الأكبر للشاشات التلفزيونية القديمة.
داخل الأنبوب، هناك “قلم إلكتروني” عبارة عن شعاع إلكترون، يتحرك أمام الشاشة بنفس وتيرة حركة الماسح الضوئي في جهاز الإرسال، سطرًا بسطر.
الإشارات الكهربائية القادمة تتحكم في هذا القلم:
إشارة قوية → يجعل النقطة مضيئة على الشاشة.
إشارة ضعيفة → تترك النقطة مظلمة.
بهذه الطريقة، وبفضل التزامن بين حركة الماسح في جهاز الإرسال والقلم الإلكتروني في جهاز الاستقبال، تتم إعادة رسم الصورة الأصلية نقطة بنقطة وسطرًا بسطر أمام أعين المشاهدين.
لمحة تاريخية وحقائق مثيرة
الصورة الأولى التي أُرسلت باستخدام هذه الطريقة كانت مكوّنة من 12 سطرًا فقط، أي أنها كانت صورة بسيطة وواضحة قليلًا، مقارنة بشاشات اليوم التي تتجاوز 4000 سطر.
رغم أن اسم روزينغ غير معروف للكثيرين، فإن اختراعه يُستخدم اليوم من قبل مليارات الناس حول العالم.
هذا الاختراع يُعتبر اللبنة الأساسية التي أدت إلى تطوير التلفزيون الحديث، الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
روزينغ درس في معهد سان بطرسبرغ للتكنولوجيا، وكان من القلائل الذين دمجوا بين المبادئ الميكانيكية والكهربائية لإرسال الصور عن بعد، مما جعله أول من قدم للعالم جهاز التلفزيون.