كتبت نوال برو في ال Entrevue:
كما حال السياسة، يشهد طقس لبنان هذا العام تقلبات غريبة وعجيبة. فبعد موجة حرّ تجاوزت فيها الحرارة الـ 27 درجة مئوية الأسبوع الماضي في بيروت، انخفضت الحرارة بشكل ملحوظ لتصل إلى حوالي الـ 10 درجات في غصون أيام قليلة.
وبالحديث عن مزاجية الطقس، تعدّ النباتات الخاسر الأكبر، إذ وبحسب مؤسس شبكة المهندسين الزراعيين في لبنان، المهندس مصطفى غصن، “تؤثر هذه التقلّبات الحادة في الطقس بالخلايا النباتية ونموّها، وتعتبر الزراعات الورقية الأكثر تضرّراً من بين النباتات (النعنع، البقدونس،…) ، بالإضافة إلى الأشجار التي بدأت في الإزهار مؤخّراً. أما الأشجار الأخرى، فقد تأثّرت بشكل أقلّ بهذه التقلبات الأخيرة.”
ويقال أن “الماء أرخص موجود وأغلى مفقود”، لذا إن الخطورة الحقيقية تكمن في أن فصل الشتاء كان بخيلاً من حيث كمية المتساقطات هذا العام. في السياق، يوضح المهندس غصن أن “هذا الشحّ في الأمطار أثّر بشكلٍ كبيرٍ على الحبوب والبقوليات. كما أن الأشجار المثمرة ستتأثر أيضاً، لأن مخزون المياه في الأرض منخفضٌ جداً، ما سيجبر المزارع على اللجوء إلى الري بدلاً من الإعتماد على الزراعات البعلية.”
مع الإشارة إلى أن نقص الأمطار سيؤدي إلى انخفاض مخزون المياه الجوفية، ممّا قد يتسبب في جفاف الآبار.
إذاً يواجه المزارعون اللبنانيون أزمة حقيقية هذا العام، وتعتبر التغيرات المناخية السبب الرئيسي وراء ذلك. ويشير المهندس غصن إلى أن “غياب السياسات الحكومية الفعالة لمواجهة التغير المناخي قد أدى إلى تفاقم الوضع، حيث لا يتم الاعتماد على أساليب الزراعة الذكية التي يمكن أن تساعد المحاصيل الزراعية على التكيف مع هذه التغيرات”.
الأكيد أن صيف ٢٠٢٥ لن يكون الأفضل بالنسبة للقطاع الزراعي حيث ستتقلص المساحات المزروعة نتيجةً لنقص المياه. ويكمن القلق الأكبر في مواسم القمح والشعير والبقوليات. والسؤال المطروح: ماذا سيحدث إذا استمر هذا الوضع في السنوات المقبلة؟
“لا شكّ أن تكرار هذه الظاهرة في السنوات القادمة سيشكل تهديدًا خطيرًا لجميع الأشجار البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار، وكذلك للأشجار المثمرة التي لا تعتمد على الري. وقد يؤدي ذلك إلى تلف هذه المحاصيل، وبالتالي تقليل المساحات الزراعية بشكل ملحوظ” وفقاً للمهندس غصن.
ويلفت المهندس غصن إلى أن “تربية الماشية ستتأثر أيضًا بشكل كبير بنقص الأمطار، خاصةً الماشية التي تعتمد في غذائها على الأعشاب البرية. إذ ستعاني من نقص الأعلاف الطبيعية، مما يؤثر على إنتاجها وصحتها”.
ونقلاً عن المهندس غصن “إن فقر الأمطار يتسبّب في انخفاض مستوى المياه في الخزانات الجوفية، مما يؤدي إلى تقليل كمية المياه الجوفية المتاحة. وهذا بدوره يهدّد وجود بعض الينابيع والأنهار التي يعتمد عليها المزارعون ومربو الماشية كمصادر رئيسية للمياه”.
بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها المزارعون نتيجة للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، جاءت مزاجية الطقس لتزيد الطين بلة. ويرى المهندس غصن في هذا الإطار أن إنتاج المزارعين في عام 2025 سيتراجع بشكل كبير، ممّا سيكبّدهم خسائر مالية فادحة. وقد يدفعهم ذلك إلى تقليل المساحات المزروعة في المواسم القادمة كإجراء احترازي لتجنب ظروف مماثلة.”
من الواضح أن إنقاذ الموسم الزراعي لن يكون مهمة سهلة أو سريعة، بل يتطلب وضع آلية معقدة نسبيًا، وهو تحدٍ كبير لدولة تعاني من أزمات متعددة. وفي التفاصيل، يشدّد المهندس غصن على “ضرورة تغيير استراتيجية الريّ أي الإعتماد على تقنيات ريّ حديثة وترشيد استهلاك الماء. كما يجب تحسين إدارة الموارد البدائية أي الأنهار والينابيع وإنشاء خزانات وآبار جديدة”.
وفي ختام حديثه، طالب غصن وزارة الزراعة أن “تتكاتف مع مؤسسات المجتمع المدني لتدريب وإرشاد المزارع حول كيفية استعمال الموارد المائية بطريقة أفضل وكيفية التأقلم مع التغير المناخي السريع”.