في عصر تحوّل فيه الهاتف الذكي إلى لعبة، والجهاز اللوحي إلى مدرس، وأصبحت الشاشات نافذة لا غنى عنها لعالم الأطفال، ازدادت المخاوف الطبية بشأن تأثير هذا الانغماس الرقمي على صحة عيونهم. فالعيون هي العضو الأكثر تضرراً بصمت، وسط تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان قصر النظر هو الثمن الذي يدفعه أطفالنا مقابل تقدم التكنولوجيا والاعتماد المتزايد على الأجهزة الرقمية.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد مشكلة ضعف رؤية بسيطة، بل تحولت إلى وباء عالمي يتصاعد بسرعة، يهدد سلامة النظر وجودة حياة الأطفال في المستقبل. مع زيادة عدد الأجهزة الذكية في أيدي الصغار، تقل ساعات اللعب في الهواء الطلق تحت ضوء الشمس، وهو ما يؤثر سلباً على تطور عيونهم بشكل طبيعي.
فما هو قصر النظر؟ ولماذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستخدام المكثف للأجهزة الإلكترونية؟ وهل يمكن الوقاية منه قبل أن يتحول إلى حالة مزمنة؟ هذا المقال يغوص في تفاصيل هذه الظاهرة بين الأرقام والدراسات، ليضع خارطة طريق لحماية أجيال المستقبل.
يشرح الدكتور وسام شرف الدين أبو الحسن، استشاري طب العيون في مستشفى «باراكير» بالإمارات، أن قصر النظر (Myopia) هو حالة تجعل الأجسام البعيدة تبدو ضبابية، بينما تبقى القريبة واضحة. تنتشر هذه الحالة بشكل متزايد بين الأطفال بين 6 و14 عاماً. قد تلاحظ أن طفلك يضيق عينيه أو يجلس قريباً من التلفاز، أو يجد صعوبة في رؤية السبورة، وهذه علامات تستدعي الفحص المبكر، لأنه إذا لم يُعالج، قد يؤثر على تحصيله الدراسي وحياته اليومية وصحة عينه على المدى البعيد.
الأعراض والعوامل المؤثرة
- الأعراض: صعوبة رؤية الأشياء البعيدة بوضوح، الميل للجلوس قريباً من الشاشات أو الكتب، فرك العين، الصداع وإجهاد العين بعد الأنشطة البصرية، وضعف الأداء الدراسي المرتبط بالرؤية.
- الأسباب: يحدث قصر النظر عندما يكون طول كرة العين أكبر من الطبيعي أو تكون القرنية منحنية أكثر من اللازم، مما يجعل الضوء يتركز أمام الشبكية. إلى جانب الوراثة، تلعب العوامل البيئية دوراً أساسياً مثل الاستخدام المطول للأجهزة الإلكترونية، قلة التعرض لأشعة الشمس، والأنشطة التي تتطلب تركيزاً قريبا كالقراءة.
العلاج والوقاية
- العلاج: النظارات أو العدسات اللاصقة، عدسات خاصة للتحكم في قصر النظر تقلل من تقدمه، قطرات الأتروبين بتركيز منخفض التي تبطئ نمو العين، وتقويم القرنية الليلي الذي يعيد تشكيل سطح العين مؤقتاً. وللبالغين، قد تكون الجراحة الانكسارية خياراً.
- الوقاية: لا يمكن دائمًا منع قصر النظر، لكن يمكن التقليل من مخاطره عبر اتباع قواعد مثل قاعدة 20-20-20 (النظر بعيداً كل 20 دقيقة لمدة 20 ثانية لمسافة 20 قدماً)، تشجيع اللعب في الهواء الطلق لساعتين يومياً على الأقل، تقليل وقت استخدام الشاشات، توفير إضاءة مناسبة، وزيارات دورية لطبيب العيون.
تأثير الأجهزة الإلكترونية
الاستخدام الطويل للأجهزة يجهد عضلات العين المسؤولة عن التركيز القريب، مما قد يسرع ظهور قصر النظر. كما أن قلة التعرض لضوء الشمس الطبيعي تقلل من إنتاج مادة الدوبامين التي تبطئ تمدد العين، بالإضافة إلى الوضعيات الخاطئة عند استخدام الشاشات التي تزيد من إجهاد العين.
أرقام ودراسات
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات قصر النظر بين الأطفال، خصوصاً مع زيادة استخدام الأجهزة الرقمية ونقص النشاطات الخارجية. مثلاً، الأطفال الذين يقضون أقل من 90 دقيقة يومياً في الخارج معرضون لخطر الإصابة بنسبة 40% أكثر. في دول شرق آسيا، تصل نسبة الإصابة بين طلاب المدارس الثانوية إلى أكثر من 80%.
خاتمة
التكنولوجيا ليست عدوًا، بل أداة تقدم ومعرفة، لكن يجب استخدامها بحذر لتجنب تأثيراتها السلبية على صحة العيون. بالوعي والوقاية يمكننا حماية نظر أطفالنا وضمان أن يكون التقدم الرقمي نعمة لا عبئاً بصرياً. وإذا لاحظت علامات ضعف في رؤية طفلك، لا تتردد في زيارة طبيب العيون لإجراء الفحص المبكر والحفاظ على صحة عينه ومستقبله.