تراجعت الثقة في قوة الاقتصاد البريطاني بشكل ملحوظ، حيث انخفضت من 45% في مايو 2015 إلى 28% حاليًا، بعد عقد كامل. يعود هذا الانخفاض إلى عوامل متعددة أبرزها أزمة تكاليف المعيشة، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاضطرابات الجيوسياسية.
ذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) أن دراسة بنك «باركليز» حول “10 أعوام من الإنفاق” أوضحت أن الثقة في الإنفاق غير الضروري بقيت قوية بنسبة 53% من عام 2015 حتى الآن. وعلى الرغم من الضغوط المالية، ارتفع إنفاق الأسر التقديري بنسبة 9.2% على أساس سنوي بين عامي 2021 و2024، متجاوزًا الإنفاق الضروري الذي نما بنسبة 5%. توصلت الدراسة، التي استندت إلى مليارات التعاملات المالية وأكثر من 200 ألف استطلاع حول ثقة المستهلكين منذ عام 2015، إلى أن 66% من المستهلكين يهتمون بصورة أكبر بميزانيتهم مما كانوا عليه قبل عقد من الزمان. ويقول أقل بقليل من نصف البالغين في المملكة المتحدة (نحو 45%) إنهم لا يشعرون بتحسن في وضعهم عما كانوا عليه قبل عشر سنوات.
بلغت ثقة المستهلكين في قوة الاقتصاد البريطاني أعلى مستوياتها في سبتمبر 2016 – بنسبة 48% – بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وانخفضت إلى أدنى مستوياتها في أكتوبر 2022 – بنسبة 15% – بعد “الموازنة المصغرة” في سبتمبر. رصد باركليز سلوك المستهلكين لإيجاد قيمة في مشترياتهم الأسبوعية من السوبر ماركت منذ عام 2023، ووجد أن نسبة المتسوقين الذين يقولون إنهم يحاولون تقليل إنفاقهم على البقالة بلغت في المتوسط 65%، وبلغت ذروتها عند 73% في أبريل من العام الماضي.
تضاف هذه الدراسة إلى الاستطلاعات الربعية التي توضح تراجع ثقة البريطانيين في اقتصاد بلادهم خلال الـ12 شهرًا المقبلة، إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، مع توقع عدد قليل فقط من البريطانيين تحسنًا خلال هذه الفترة، وفق استطلاع للرأي لشركة «إبسوس موري» نشرته نهاية أبريل الماضي. ذكر الاستطلاع أن 75% من البريطانيين يتوقعون أن يتدهور الاقتصاد خلال الـ12 شهرًا المقبلة، بزيادة قدرها 8 نقاط مئوية منذ مارس الماضي. ذكرت «إبسوس موري» أن الثقة قد تراجعت بالفعل بين الشركات والمستهلكين البريطانيين، وأن الرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة، والمخاوف بشأن حالة الاقتصاد البريطاني، قد دفعت التشاؤم إلى أدنى مستوى له منذ ركود عام 1980، والأزمة المالية عام 2008، وأزمة غلاء المعيشة المرتبطة بجائحة «كوفيد – 19».
تُمثل هذه النتائج ضربة لرئيس الوزراء العمالي، كير ستارمر، الذي انتخب في يوليو الماضي؛ بهدف أن تصبح بريطانيا أسرع اقتصاد نموًا في «مجموعة السبع». تسعى الحكومة البريطانية، التي تشرف على اقتصاد كثيف التجارة نسبيًا مقارنة بدول «مجموعة العشرين» الأخرى، إلى تجنب الرسوم الجمركية الأميركية المتبادلة من خلال التفاوض على اتفاقية اقتصادية جديدة مع الولايات المتحدة. يأتي هذا في الوقت الذي عاد فيه الاقتصاد البريطاني إلى مسار النمو، مسجلًا توسعًا قويًا بنسبة 0.5% في فبراير الماضي، متجاوزًا جميع التوقعات، ومشيراً إلى تحسن نسبي في الأداء الاقتصادي، رغم التحديات المرتقبة المرتبطة بالرسوم الجمركية الأميركية. يمثل هذا النمو الشهري للناتج المحلي الإجمالي أعلى معدل يُسجل منذ مارس 2024، متفوقًا على جميع التقديرات في استطلاع أجرته «رويترز» لآراء 30 اقتصاديًا، الذين توقعوا نموًا لا يتجاوز 0.1%. كما تم تعديل بيانات يناير السابقة، التي كانت تشير إلى انكماش طفيف، لتظهر استقرارًا دون نمو أو تراجع. وعلى أساس سنوي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4%، ليتجاوز مجددًا توقعات المحللين.
تراجع الثقة بالاقتصاد البريطاني: تحديات متفاقمة رغم مؤشرات النمو
