جراحة الدماغ

يُعتبر استئصال أورام الدماغ من أكبر التحديات في مجال الجراحة العصبية، حيث يشكل الإزالة الدقيقة والكاملة للورم العامل الحاسم في نجاح العلاج وزيادة فرص بقاء المريض على قيد الحياة.

صعوبات جراحة أورام الدماغ
تكمن صعوبة جراحة أورام الدماغ، خاصة الأورام الدبقية عالية الدرجة (Glioma)، في أن هذه الأورام لا تتمتع بحدود واضحة، مما يجعل التمييز بين الأنسجة الورمية والخلايا الدماغية السليمة أمرًا بالغ الصعوبة. وهذا يزيد من المخاطر مثل عدم القدرة على استئصال الورم بشكل كامل، ما قد يؤدي إلى عودته سريعًا، أو إلحاق ضرر بالأنسجة السليمة المحيطة التي قد تؤثر على وظائف حيوية مثل الحركة، والنطق، والإدراك.

من هنا، أصبحت الحاجة إلى تقنيات حديثة تتيح للجراحين تحسين دقة الاستئصال وتقليل المخاطر المرتبطة بالجراحة التقليدية. من أبرز هذه الابتكارات، تقنية 5 – أمينو ليفولينك أسيد (5 – ALA)، التي تعتمد على استخدام التألق الفلورسنتي للكشف عن الأنسجة السرطانية أثناء الجراحة. هذه التقنية تتيح للجراح رؤية حدود الورم بوضوح، مما يسهل إزالة أكبر قدر ممكن من الخلايا السرطانية ويقلل من احتمالية ترك أجزاء سرطانية قد تؤدي إلى عودة الورم لاحقًا.

تقنية التألق الفلورسنتي
تقنية 5 – ALA هي طريقة مبتكرة تستخدم في جراحة أورام الدماغ لتعزيز دقة الاستئصال من خلال التصوير الفلورسنتي، ما يساعد الجراحين على التمييز بوضوح بين الأنسجة السرطانية والسليمة أثناء العملية.
تعمل هذه التقنية عن طريق إعطاء المريض جرعة من محلول 5 – ALA عن طريق الفم قبل 3 إلى 4 ساعات من بدء الجراحة. بعد امتصاص المادة عبر الجهاز الهضمي، يتم استقلابها داخل الجسم إلى مركب يُسمى البروتوبورفيرين IX، الذي يتراكم بشكل أكبر في الخلايا السرطانية مقارنة بالخلايا السليمة. عندما يتعرض الورم لضوء أزرق خاص أثناء الجراحة، يصدر البروتوبورفيرين IX توهجًا ورديًا أو أحمر، مما يساعد الجراح على رؤية الورم بوضوح.

كيف تساعد تقنية (5 – ALA) في الجراحة؟
أظهرت الدراسات أن استخدام 5 – ALA يزيد من نسبة استئصال الورم الدبقي عالي الدرجة (GBM) بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالجراحات التقليدية، مما يحسن فرص البقاء على قيد الحياة. من بين الفوائد الرئيسية لهذه التقنية:

تحسين رؤية الورم: يجعل التألق الفلورسنتي الورم أكثر وضوحًا، مما يساعد الجراح على استئصال أكبر قدر ممكن من الأنسجة السرطانية مع الحفاظ على الأنسجة السليمة.
تقليل خطر ترك بقايا الورم: بفضل هذه التقنية، يمكن تحديد أجزاء من الورم لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، مما يقلل من احتمال عودة الورم بعد الجراحة.
تحسين معدلات الشفاء والبقاء على قيد الحياة: تشير الدراسات إلى أن استخدام 5 – ALA يساهم في استئصال أكبر للورم، مما يحسن استجابة المرضى للعلاج الكيميائي والإشعاعي، مما يطيل فترة بقائهم على قيد الحياة.
تطبيق التقنية محليًا
تبنى مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في جدة تقنية 5 – ALA لتسليط الضوء على الأنسجة المصابة والمساعدة في استئصال الأورام الدبقية عالية الدرجة بدقة أكبر. أصبح هذا المستشفى أول مركز طبي في المملكة يستخدم هذه التقنية بشكل روتيني، مما يعزز من مكانته كمركز طبي متقدم. وقد بدأ المستشفى في التعاون مع مستشفيات أخرى داخل المملكة وخارجها لتوسيع نطاق استخدامها وتبادل الخبرات بهدف تقديم رعاية صحية متطورة للمرضى.

تطور التقنية وسلامتها
بدأ البحث في تقنية 5 – ALA في التسعينات، وحصلت على موافقة الاتحاد الأوروبي للاستخدام السريري في عام 2006، وفي عام 2017 اعتمدتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) كمعيار في جراحة أورام الدماغ. اليوم، يتم استخدامها في المراكز المتقدمة حول العالم.

ويعتبر حمض 5 – ALA آمنًا بشكل عام، ولكن قد يتسبب في بعض الآثار الجانبية مثل الحساسية للضوء واضطرابات هضمية، ويجب أن يتم اتخاذ تدابير وقائية لتقليل المخاطر المحتملة.

الورم الدبقي الدماغي
الورم الدبقي هو نوع من أورام الدماغ ينشأ من الخلايا الدبقية. يُعد الورم الدبقي عالي الدرجة (مثل الورم الدبقي متعدد الأشكال GBM) الأكثر عدوانية، حيث لا يتجاوز معدل البقاء على قيد الحياة 12-15 شهرًا رغم العلاج. تعود نسبة الورم بعد الاستئصال إلى درجة الورم ومدى نجاح الاستئصال.

علاج أورام الدماغ
يتكلّ العلاج على نوع الورم وموقعه، ويشمل خيارات مثل الجراحة، والعلاج الإشعاعي، والعلاج الكيميائي. بالإضافة إلى ذلك، تركز الأبحاث الحديثة على العلاجات المناعية والجينية.

ختامًا, إن الورم الدبقي، وخاصة النوع GBM، يمثل تحديًا كبيرًا في العلاج نظرًا لارتفاع معدل عودته. ومع تزايد استخدام تقنيات مثل 5 – ALA والعلاج المناعي، يزداد الأمل في تحسين العلاجات، مما يتيح للمريض فرصة لحياة أطول وأكثر جودة.

البحث