يستعد مشتركو منصات البث التلفزيوني المباشر مثل نتفليكس، ديزني بلس، وباراماونت بلس، لملاحظة تغيير جذري في طبيعة الإعلانات التي تُعرض خلال مشاهداتهم. فبدلاً من الإعلانات الكلاسيكية، ستبدأ هذه المنصات بعرض إعلانات بأسلوب تفاعلي يشبه المحتوى الدعائي على إنستغرام، تيك توك، وفيسبوك، في محاولة لمحاكاة تجربة وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا التحوّل مدفوع برغبة شركات الإعلام في استعادة حصة من سوق الإعلانات الرقمية، التي تهيمن عليها شركات مثل غوغل وميتا، والتي تجني مليارات الدولارات من الإعلانات الموجهة للشركات الصغيرة والمتوسطة عبر أدوات استهداف ذكية ودقيقة.
تحالف إعلامي لمنافسة شركات التكنولوجيا
بحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تعمل عدة شركات إعلامية، بالتعاون مع مصنّعي أجهزة البث مثل Roku، على تطوير منصات إعلانية ذاتية الخدمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لاستقطاب المعلنين الذين اعتادوا على بيئات الإعلان الرقمي. وتستهدف هذه المنصات العلامات التجارية المباشرة للمستهلك، ومطوري التطبيقات، والشركات الناشئة، من خلال أدوات تتيح استهدافًا أكثر دقة وفعالية، وبتكاليف أقل بكثير.
إعلانات ذكية وتكلفة منخفضة
الذكاء الاصطناعي يتيح للمعلنين إنشاء حملات مصممة بدقة لجمهور محدد، ما يسمح لمتجر صغير، على سبيل المثال، بعرض إعلاناته فقط على الأشخاص المهتمين بالرياضة، بدلاً من إنفاق مبالغ طائلة على بث عام وغير موجه. بعض المنصات مثل القناة الرابعة البريطانية، بدأت بالفعل باستخدام أدوات توليد إعلانات تقلل التكلفة بنسبة تصل إلى 90%.
وفي السياق نفسه، طورت شركة Roku بالتعاون مع شركة Spaceback أدوات لتحويل منشورات التواصل الاجتماعي، مثل فيديوهات تيك توك، إلى إعلانات تلفزيونية قابلة للعرض عبر الإنترنت، بينما تخطط Comcast لإطلاق مساعد ذكاء اصطناعي لتوليد الفيديو خلال أيام.
تراجع الإعلانات التقليدية وصعود “التلفزيون المتصل”
وفقاً لشركة الأبحاث eMarketer، يشهد سوق الإعلانات التلفزيونية التقليدية تراجعًا كبيرًا، إذ يُتوقّع أن ينخفض الإنفاق عليها في الولايات المتحدة بنسبة 15.5% هذا العام، ليصل إلى نحو 50 مليار دولار. في المقابل، ينمو الإنفاق على إعلانات “التلفزيون المتصل بالإنترنت” بنسبة تفوق 13%، ومن المتوقع أن يتفوق على الإعلان التقليدي بحلول عام 2028.
الإعلان التلفزيوني لم يعد حكرًا على الكبار
يرى الإعلامي والخبير الإعلاني فيليب أبو زيد أن هذا التحول يعيد تشكيل العلاقة بين التلفزيون والإعلانات، كما حدث عند ظهور المنصات الرقمية التي أزاحت الصحف والمجلات من صدارة الإعلان. ويعتبر أبو زيد أن هذه الخطوة تمنح الشركات الصغيرة فرصة الوصول إلى الجمهور بتكلفة معقولة، عبر استهداف دقيق وفعّال، وهو ما يجعل الإعلانات التلفزيونية أكثر مرونة وقابلية للقياس، مستفيدًا من بيانات المشاهدة والسلوك التي لم تكن متاحة سابقًا.
تحذيرات من التكرار وفقدان الهوية
لكن الخبيرة في التسويق الرقمي غادة كمون تحذر من مغبة تقليد نموذج الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي دون تميّز. فرغم خفض التكاليف وسهولة الإنتاج، قد يؤدي الإفراط في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى إنتاج محتوى إعلاني مكرر وسطحي، يُفقد الإعلانات تأثيرها الإبداعي، ويجعلها أشبه بـ”ضوضاء رقمية” لا تترك أثراً حقيقياً.
هل يفقد التلفزيون تميّزه؟
وتضيف كمون أن اعتماد التلفزيون على الإعلانات المشابهة لتلك التي على السوشيال ميديا قد يضعف من صورته كمنصة راقية واحترافية، ويزيد من استياء المشاهدين، خاصة أولئك الذين يدفعون اشتراكاً شهرياً مقابل تجربة خالية من الإعلانات. التحدي الأكبر أمام المنصات، بحسب كمون، هو تحقيق التوازن بين العائد الإعلاني والمحافظة على تجربة مشاهدة ممتعة ومتميزة.
قلق متزايد حول الخصوصية
وأشارت كمون إلى أن استخدام البيانات الدقيقة لاستهداف المشاهدين قد يفتح باباً واسعاً للجدل حول الخصوصية، لا سيما أن الجمهور بدأ يُظهر حساسية متزايدة تجاه “تطفل” الإعلانات الرقمية، ومع انتقال هذا التطفل إلى التلفزيون، فإن ردود الفعل قد تكون أكثر حدة إن لم تُدار العملية بشفافية كاملة.