السويداء

جاء في “سكاي نيوز”:

عادت أجواء التوتر إلى جنوب سوريا، مع تجدّد الاشتباكات في محافظة السويداء وتحركات إسرائيلية لافتة في ريف القنيطرة.

مشهد معقد يفرض نفسه وسط اتهامات رسمية لـ”عصابات متمردة” بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتحقيقات حكومية تحاول لملمة تداعيات الأحداث.

وفي ظل هذا التوتر، يطرح مراقبون تساؤلات عن احتمالات التصعيد وفرص التهدئة في واحدة من أكثر المناطق السورية حساسية.

تصاعد الاشتباكات وخرق الاتفاقات

اندلع العنف مجددا في محافظة السويداء بعد أيام فقط من حالة هدوء نسبي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بضمانات عربية وأميركية.

واتهمت وزارة الداخلية السورية مجموعات مسلحة بـ”خرق الاتفاق”، وشنّ هجمات بالصواريخ وقذائف الهاون على مواقع قوى الأمن، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى بين عناصر الأمن.

وأفادت وسائل إعلام سورية باستعادة قوات الأمن السيطرة على تل الحديد في ريف السويداء بعد مواجهات دامية مع فصائل مسلحة كانت قد سيطرت على المنطقة.

كما تم إغلاق ممر بصرى الشام الإنساني مؤقتا، في انتظار تأمين الأوضاع الميدانية.

تحركات إسرائيلية تثير القلق

في موازاة الاشتباكات الداخلية، شهدت المنطقة الجنوبية تحركات إسرائيلية مثيرة للقلق، حيث نفذ الجيش الإسرائيلي غارة ليلية استهدفت مواقع لم يُفصح عنها، وقال إنها جاءت بعد “رصد استخباراتي واستجوابات ميدانية دقيقة”.

كما رُصدت طلعات تحذيرية للطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء ريف القنيطرة، وسط أنباء عن تمركز قوات إسرائيلية في منزل مهجور بقرية طرنجة، مما زاد من منسوب التوتر في الجبهة الجنوبية.

تصعيد ممنهج بأدوات داخلية وخارجية

في تحليله للوضع الراهن، قال الكاتب والباحث السياسي عبدالله الحمد خلال حديثه إلى برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، إن ما يجري في السويداء هو تصعيد خطير خططت له مجموعات استغلت الهدوء النسبي بعد الاتفاق الأمني لاقتحام قرية تل الحديد والاشتباك مع قوات الأمن، التي كانت مكلّفة بفصل خطوط التماس مع العشائر.

واعتبر الحمد أن هذا التصعيد “لم يكن منفردا”، بل جاء ضمن سلسلة تحركات موازية، أبرزها غارات إسرائيلية في القنيطرة وهجمات نفذتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الانفصالية شمال شرق حلب، مضيفا أن هناك محاولة متعمدة لـ”جرّ الدولة السورية إلى جبهات تصعيد متعددة”.

ورأى الحمد أن الدافع الأساسي للتصعيد داخلي بالدرجة الأولى، يتمثل في “تغليب المصالح الشخصية” لزعامات مسلحة، سواء من “قسد” أو من مجموعات طائفية مرتبطة باسم حكمت الهجري.

وأضاف أن تسجيلات مصوّرة أظهرت مؤشرات على “تشظي” داخل هذه المجموعات، خصوصا بعد خلافات بشأن توزيع المساعدات الإنسانية، مثل المحروقات، والهيمنة على القرار المحلي في السويداء.
كما لفت إلى أن بعض هذه الفصائل تحاول “الاستعانة بالإسرائيلي” أو افتعال مواجهات تسهّل تدخل أطراف خارجية لتبرير السلاح والفوضى.

في مواجهة التصعيد، أعادت القوات الأمنية السيطرة على تل الحديد، وفرضت انتشارا على حدود محافظة السويداء دون دخول المدينة، بحسب الحمد.

كما تم تسهيل عبور قوافل المساعدات الإغاثية، في محاولة لطمأنة السكان وتحييد الجوانب الإنسانية عن الصراع.

وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة السورية تشكيل لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل مظهر الويس، وأكد رئيس اللجنة القاضي حاتم النعسان أن التحقيقات ستبدأ فورا بلقاء المسؤولين المحليين والمتضررين من الأهالي في السويداء ودرعا، مع فتح خطوط اتصال لاستقبال الشكاوى.

هل تنجح لجنة التحقيق في كسب ثقة الشارع؟

الحمد لم يُخفِ تشككه حيال قدرة اللجنة على استعادة ثقة الشارع، في ظل تجربة لجنة التحقيق السابقة في الساحل السوري، لكنه أشار إلى تطور مهم تمثّل في حديث الرئيس السوري أحمد الشرع علنا عن “تجاوزات وأخطاء” حصلت خلال العمليات الأمنية، ونيّة الدولة محاسبة المسؤولين عنها “مهما كانت رتبهم أو سلطاتهم”.

كذلك لفت الحمد إلى انفتاح اللجنة الحالية على التعاون مع منظمات دولية للإشراف على التحقيقات وتقديم تقرير للأمم المتحدة، ما قد يُسهم في تعزيز مصداقية عملها داخليا وخارجيا.

مشهد معقد بين الداخل والخارج

بحسب الحمد، فإن ما تشهده السويداء ليس مجرد اشتباكات محلية، بل جزء من صراع أكبر، تحركه عوامل داخلية وخارجي وهي على الصعيد الداخلي “صراعات فصائلية حول النفوذ والسيطرة، والاستفادة من المساعدات والاقتصاد غير الرسمي، مثل تجارة المخدرات، وهو ما أشار إليه الشيخ ليث البلعوس صراحة”.

وبالنسبة للعوامل الخارجية أوضح الحمد أن “تحركات إسرائيلية تتزامن مع التصعيد، وهو ما يثير تساؤلات عن التوقيت والدوافع، خصوصا في ظل انشغال إسرائيل بجبهات أخرى، ومحاولاتها تأمين حدودها مع سوريا عبر توجيه رسائل ردعية”.

البحث