في إنجاز فلكي غير مسبوق، نجح فريق من العلماء في رسم أدق خريطة ثلاثية الأبعاد للمنطقة المحيطة بالشمس، تمتد لمسافة تصل إلى نحو 4000 سنة ضوئية، كاشفة عن أسرار ولادة النجوم والغازات التي تحيط بها.
ونُشرت نتائج هذه الدراسة المتقدمة في مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society، حيث تجمع الخريطة بين الدقة العالية والنطاق الواسع، وتُظهر ليس فقط النجوم، بل أيضا سحب الغبار والغاز التي تمثل الحاضنات التي تتشكل فيها النجوم الجديدة بنشاط.
“بحر هائج من الغاز المتوهج”
يصف لويس ماك كالوم، عالم الفيزياء الفلكية في الجامعة التقنية في آخن بألمانيا، هذا الاكتشاف قائلاً:
“نشهد الآن للمرة الأولى انتشار الطاقة النجمية بتفاصيل دقيقة، نرصد فيها حركة الغاز وموقعه ودرجة حرارته. الأمر يشبه السباحة داخل بحر هائج من الغاز المتأين.”
دور النجوم العملاقة في تشكيل المشهد الفضائي
اعتمد الباحثون على بيانات دقيقة من القمر الصناعي “غايا”، إلى جانب دراسة تأثير 87 نجماً عملاقاً من الفئة O، وهي نجوم شديدة الكتلة وقصيرة العمر، لكنها تطلق إشعاعاً كافياً لتأيين الغاز المحيط وجعل السحب المجرّية تتوهج.
وأوضح ماك كالوم أن هذا الإشعاع يعمل على طرد الإلكترونات من الذرات، وعندما تعود الإلكترونات إلى أماكنها، ينبعث توهج فلكي مميز يمكن تتبعه باستخدام النماذج الحاسوبية المتقدمة، ما مكّن الفريق من رسم خريطة للهيدروجين المتوهج في الفضاء.
نظرة غير مسبوقة على نشأة النجوم وتاريخ النظام الشمسي
الخريطة تكشف عن موقع الشمس ضمن أحد الأذرع الحلزونية لمجرة درب التبانة، كما توضح اتجاهات حركة الغاز ومناطق النشاط النجمي المكثّف، ما يتيح للعلماء فهم مراحل تطور النجوم، وكيفية تشكل السحب الغازية العملاقة، بل ويمنح نظرة جديدة نحو التاريخ المبكر لنظامنا الشمسي.
ويقول العلماء إن هذه الخريطة ستمثّل مرجعاً أساسياً لفهم دورات حياة النجوم، وانتقال الطاقة عبر الفضاء بين السدم النجمية، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية تشكل النجوم والكواكب في الكون القريب منا.