الدراق

كتب عامر زين الدين في الأنباء الكويتية:

شكّلت زراعة الدراق واحدة من مجموعة زراعات مثمرة ومنوعة على مساحة الأراضي الزراعية، على بساط الصيف الواسع بين منطقتي الجبل والبقاع، باعتبارهما الأكثر اهتماما بالقطاع الزراعي، علما ان منطقة البقاع وخصوصا الجزء الغربي منها تأتي في مقدمة المناطق الزراعية على مستوى لبنان.

الدراق ذات الانواع المختلفة، ولكن بصنفيه المعروفين «الديكسيريد» و«الريد هفن»، يجتاح البساتين الأساسية في المنطقتين وخصوصا البساتين المروية، كحال منطقة البصيل، وقرى: بريح والفوارة والورهانية في الشوف، وقب الياس وبر الياس وامتدادا نحو زحلة من جهة وكفريا من جهة ثانية في البقاع. كما ان الصنفين المذكورين تقدما لائحة التصدير إلى الخارج فيما مضى واكتساح الأسواق المحلية واللبنانية عموما، نظرا إلى انتاجهما الوفير والمربح في آن.

عشرات الآلاف من الدونمات المغروسة استحوذت عليها المساحات الزراعية، واستمرت طيلة الأعوام الماضية على نفس المنوال، إلى ان شاب المواسم أخيرا بعض الصدمات، ما أدى إلى تراجع الاهتمام بها، بعدما تقدمت عليها أصنافا جديدة حتى من نوع الدراق وغير ذلك، ما تسبب بتراجع الأسعار أيضا، التي كانت لاتزال حتى الأعوام المنصرمة مقبولة نسبيا.

ويكمن خوف المزارعين بحسب قول أحد الناشطين قاسم أمكي من برالياس من «عدم إحاطة هذا المنتج من قبل وزارة الزراعة خلال الأعوام السابقة، وغياب الخطط الضرورية لفتح أسواق جديدة أمام هذه الفاكهة لاستيعاب الكميات المنتجة، وتقديم المساعدات الضرورية المطلوبة إلى المزارعين، بهدف التخفيف من الأكلاف التي يتكبدونها، وبغية رفع الإنتاجية والحفاظ على جودتها، كي تتمكن من الصمود أمام منافسة الأسواق على اختلافها، وقبل كل ذلك الحفاظ على استمراريتها».

وأضاف: «سهل قب إلياس يتميز بتربته وبأجود أنواع الدراق، وخصوصا الأصناف الطبيعية منها، التي لم يتم تهجينها والتلاعب بجيناتها. وهي من أفضل الطعمات وأطيب المذاقات والنكهات، ومنها صنفان كان أهلها يعرفونهما وهما «الديكسيريد» و«الريد هفن»، حيث كانت تزرع غالبية البساتين المروية من هذين الصنفين فقط. لكن نظرا إلى الكلفة العالية ووجود العديد من الآفات الزراعية، تحول الكثير من مالكي الأراضي إلى استثمار أكثر ربحا وأقل كلفة، وأصبح هذا النوع نادرا على رغم تميزه بنكهة الدراق الطبيعي».

بدوره، يشير المزارع عفيف غانم إلى بستانه في منطقة البصيل في الشوف، (منطقة شاسعة ومشهورة بزراعة الدراق وبقية الزراعات المروية ومهمة جدا على مستوى الانتاج)، قائلا: «بتنا نخاف على زراعة الدراق، بعد التراجع الكبير التي شهدته وبلغ حده الأدنى مستوى. فهذه الحقول كانت مزروعة سابقا كلها من اصناف الدراق ذات الجودة العالية، لكن اليوم بفعل تراجع الأسعار وغياب المساعدات، راح المزارع يفتش عن حلول بديلة، لاسيما منها الأنواع الجديدة».

وأضاف: «هل يعقل ان يباع كيلو الدراق بأقل بكثير من دولار واحد وأحيانا نتقاسمه مع التجار، أمام أكلاف اليد العاملة والحراثة والأدوية والأسمدة وسوى ذلك؟ نحاول الاستثمار الزراعي للأراضي – ان وجد، بدلا من زراعتها وحمل أثقالها وهمومها، من تصريف الإنتاج ودفع تكاليفه، باعتبار النتيجة محسوبة سلفا، فإنها خاسرة ولا ترد التكاليف بأي شكل من الأشكال».

‎مقابل هذا الامر، ثمة من المزارعين من يدافع عن الاصناف الجديدة، أكان بالنسبة إلى الدراق وغيرها، والتي جاءت على حساب الأصناف القديمة، حيث الاستفادة من أمرين: الاول، نوعيتها أكثر جودة وإنتاجية وأفضل تسويقا، مثل نوع «الألبرتا»، الذي يعد من النوعيات الأفضل، لناحية استخدامها كفاكهة مجففة لفصل الشتاء. والأمر الثاني هو تقليص المساحات الزراعية، كحال أشجار «القزم» والمعلقة التي تعطي كمية انتاج أكبر للمساحة عينها.

‎يقولر جوزف مسعود ان «الأصناف الجديدة باتت مرغوبة أكثر نسبيا ومطلوبة في الأسواق المحلية، من انتاج الأشجار القزمة والمعلقة، كالنيكترين الذي يعد حاليا الصنف الأكثر زراعة وتسويقا. وبينما الأسعار تتأرجح كالبورصة، فان سعر النيكترين أكثر ثباتا وهو يتراوح تقريبا بين دولار واحد ودولارين للكيلوغرام الواحد، حسب الجودة وحجم الثمرة. والأمر في كل الأحوال يحتاج إلى تفعيل التصدير إلى الخارج».

‎وقال جواد فارس ان «الدونم الواحد يتطلب سنويا مبلغا يتعدى الألف دولار ما بين شراء الأدوية والأسمدة والحراثة والتقليم واليد العاملة والقطاف وغيرها من المتطلبات. وساهم الغلاء العالمي كثيرا في التأثير على المواسم بالنسبة إلى الأدوية والأسمدة وفي الإنتاجية، عدا عن ارتباط الزراعة بأحوال الطقس. فحين يحل البرد والصقيع تنخفض الإنتاجية إلى حدود الخمسين في المئة من معدل إنتاج الدونم الواحد، بينما ترتفع الإنتاجية إلى حدود 80 بالمئة في حال استقرار الطبيعة والطقس. وارتفاع الأسعار في الأدوية والأسمدة يقلل من العناية بشجرة الدراق، التي تتأثر فورا بالأمر، خصوصا لناحية وجود أمراض مستجدة وغير معروفة سابقا من المزارعين، ناهيك عن سوء نوعية الأدوية أو الأسمدة المستخدمة، بعدما دخل اليها عامل الغش على أكثر من مستوى».

ورأى ان «معظم الزراعات باتت في خطر الاستمرار على النحو الذي كانت عليه، إذا لم تحصل حماية جدية للمواسم، جراء ارتفاع أسعار الأدوية والأسمدة والمنافسة الخارجية، بدليل ان غالبية أصحاب الأراضي يذهبون إلى تأجير أراضيهم واستثمارها في هذا المجال بدلا من زراعتها. وعلى رغم ان الواقع الاقتصادي الصعب راهنا، جعل كثيرين يعودون إلى أرضهم لزراعتها والاستفادة ولو بالحد الأدنى منها أمام وحش الغلاء والانحدار المعيشي للعائلات».

البحث