رغم كثرة التحليلات والدراسات التي تناولت تأثير الشاشات والهواتف الذكية على الأطفال، فإن المشهد اليومي في المجمعات التجارية والمطاعم يكشف انتشار الهواتف بين أيدي أطفال دون سن الثانية عشرة بشكل لافت.
وفي هذا السياق، أوضح ران بارزيلاي، الباحث في جامعة بنسلفانيا وأب لثلاثة أطفال، أنه قرر عدم منح طفليه الأكبرين هاتفًا ذكيًا قبل بلوغهما سن 12 عامًا، خاصة بعد النتائج الأولية لدراسته حول تأثير الشاشات في صحة المراهقين.
اضطرابات النوم والسمنة
وأظهر تحليل أجراه بارزيلاي شمل أكثر من 10,500 طفل في 21 موقعًا داخل الولايات المتحدة، أن الأطفال الذين حصلوا على هواتف في سن 12 عامًا، مقارنةً بمن حصلوا عليها في سن 13، كانوا أكثر عرضة بنسبة تفوق 60% لمشكلات النوم، وبنسبة تزيد على 40% للإصابة بالسمنة. واعتبر بارزيلاي، أستاذ الطب النفسي في مستشفى الأطفال بفيلادلفيا، أن هذه النتائج “لا يمكن تجاهلها”، وفقًا لما نقلته صحيفة واشنطن بوست.
وكانت دراسات سابقة عديدة قد حذرت من تأثير الهواتف الذكية في الصحة النفسية للمراهقين، وقدرتهم على التركيز، إضافة إلى تأثيرها السلبي في الذاكرة.
مخاطر سلوكية ونفسية
وتطرقت دراسة بارزة نُشرت في يونيو بمجلة JAMA إلى الاستخدام الإدماني للهواتف بين المراهقين، مشيرة إلى ارتباطه بزيادة مخاطر الأفكار والسلوكيات الانتحارية. وبيّنت أن المراهقين الذين ازداد استخدامهم الإدماني مع الوقت كانوا أكثر عرضة لهذه السلوكيات بمعدل يتراوح بين ضعفين وثلاثة أضعاف مقارنةً بمن ظل استخدامهم منخفضًا.
كما كشفت الدراسة عن اختلاف المخاطر تبعًا لنوع النشاط الرقمي؛ فزيادة الانخراط في الألعاب الإلكترونية ارتبطت بارتفاع مشكلات الصحة النفسية الداخلية مثل القلق والاكتئاب، في حين ارتبط الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي بسلوكيات خارجية ككسر القواعد والعدوانية.
وأشارت يونيو شياو، أستاذة علوم صحة السكان في كلية طب وايل كورنيل، إلى أن النتائج تدل على وجود فئات أكثر هشاشة للتأثر النفسي المرتبط بالمنصات الرقمية، مؤكدة الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم أسباب هذا التفاوت.
التأثير على الإدراك والتعلم
وفي ديسمبر، صدرت تحليلات جديدة لبيانات دراسة ABCD، تناول كل منها جانبًا مختلفًا من صحة المراهقين. وركزت إحدى الرسائل البحثية المنشورة في JAMA على تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الأداء المعرفي للأطفال بين 9 و13 عامًا.
وقسم الباحثون الأطفال إلى ثلاث فئات: استخدام محدود أو معدوم، استخدام منخفض في تزايد، واستخدام مرتفع في تزايد. وأظهرت الفئتان الأخيرتان أداءً أضعف نسبيًا في عدد من المهام المعرفية، مثل القراءة الشفوية، وذاكرة تسلسل الصور، واختبارات المفردات، مشيرين إلى أن وسائل التواصل قد تحل محل أنشطة أكثر ارتباطًا بالتعلم.
وأوضح الباحث الرئيسي جيسون ناغاتا، أستاذ طب الأطفال في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، أن هذا التراجع يعادل تقريبًا انتقال الطالب من تقدير A إلى B.
تحول في فهم التأثيرات
ولسنوات، ظل الجدل حول تأثير الشاشات على المراهقين قائمًا على قدر كبير من عدم اليقين. غير أن النصف الثاني من عام 2025 شهد تحولًا واضحًا، مع صدور عدد كبير من الدراسات التي أوضحت كيف يمكن للوصول المبكر إلى الهواتف الذكية والاستخدام المكثف للشاشات أن يؤثرا سلبًا في عقول المراهقين.
وأظهرت البيانات أن تأثير الشاشات أوسع وأعمق مما كان متوقعًا، إذ يرتبط ببطء سرعة المعالجة، وضعف الانتباه والذاكرة، إلى جانب ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق وتراجع جودة النوم مع زيادة التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي.