في تحذير علمي جديد يسلّط الضوء على ضريبة الإرهاق المزمن، كشفت دراسة حديثة أن العمل لساعات طويلة لا ينعكس سلباً فقط على الصحة النفسية، بل قد يؤدي أيضاً إلى تغيّرات عضوية في بنية الدماغ نفسه، ما يثير القلق بشأن تداعيات ثقافة “العمل الزائد” في العالم المعاصر.
الدراسة التي نشرتها مجلة Occupational & Environmental Medicine، أعدّها فريق من الباحثين في كوريا الجنوبية، وتركزت على العاملين في القطاع الصحي، حيث الضغط المهني الشديد وساعات العمل الممتدة.
أدلّة على تغيّرات في مناطق دماغية حساسة
شملت الدراسة 110 موظفين قُسّموا إلى مجموعتين: الأولى تعمل أكثر من 52 ساعة أسبوعياً، والثانية تلتزم بساعات العمل المعتادة. وأظهرت الفحوص أن أولئك الذين يعملون لساعات أطول شهدت أدمغتهم تغيّرات ملحوظة في المناطق المسؤولة عن الذاكرة، الانتباه، اتخاذ القرار، وتنظيم المشاعر.
وصرّح الدكتور وانهينغ لي، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن هذه التغيّرات كانت “مفاجئة”، مشيراً إلى أن الدماغ ربما يحاول التكيّف مع الضغط المزمن من خلال تضخيم مناطق معينة، لكن هذا التكيّف قد لا يكون صحياً على المدى البعيد، إذ يمكن أن يقود إلى خلل عصبي أو التهابات مزمنة.
الضرر يتراكم بصمت
وحذّر لي من أن التأثيرات السلبية قد لا تظهر فوراً، لكنها تتراكم تدريجياً لتُضعف القدرات الذهنية والعاطفية، داعياً إلى ضرورة مراجعة السياسات المؤسسية المعتمدة في أماكن العمل، وتبنّي ثقافة تراعي الصحة النفسية كأولوية.
وفي تعليق من فوكس نيوز، رأى جراح الأعصاب بول سافير أن نتائج الدراسة “منطقية تماماً”، موضحاً أن التوتر المزمن يغيّر في كيمياء الدماغ وقد يمتد ليؤثر على بنيته. وأشار إلى أهمية تنظيم ساعات العمل بدقة في المهن الحساسة مثل الجراحة والطيران لتفادي أخطاء قاتلة سببها الإرهاق.
دعوة للاستثمار في التوازن النفسي
من جهته، شدد المستشار المهني كايل إليوت على أن إهمال الصحة النفسية لا يؤثر على الأداء المهني فقط، بل يهدد الصحة الجسدية وطول العمر أيضاً. ونصح العاملين بأخذ فترات راحة منتظمة، والحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبناء شبكة دعم داخل وخارج بيئة العمل.
الدراسة، التي تُعد من أوائل الأبحاث التي ترصد تغيّرات دماغية ملموسة ناتجة عن ضغوط العمل، تُعيد فتح النقاش حول الحاجة المُلحّة لإعادة التفكير في ثقافة الإنجاز المتواصل، وضرورة إعطاء الأولوية للإنسان، قبل أي إنتاج أو هدف مهني.