أظهرت دراسة علمية حديثة أن تقليل تناول السكر خلال أول ألف يوم من حياة الطفل، أي من فترة الحمل حتى سن الثانية، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الوقاية من الإصابة بمرض السكري في مرحلة البلوغ. حيث أكد الباحثون أن السلوك الاستهلاكي للسكر في هذه المرحلة المبكرة من العمر قد يكون له تأثير كبير على صحة الأفراد في المستقبل، وبشكل خاص على خطر إصابتهم بمرض السكري من النوع الثاني.
تزداد الأدلة العلمية التي تؤكد على ضرورة الحد من استهلاك السكر في مرحلة الطفولة المبكرة من أجل تجنب المخاطر الصحية المرتبطة بالأمراض المزمنة. التقرير الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، واطلعت عليه “العربية.نت”، أشار إلى أن تناول كميات كبيرة من السكر خلال أول ألف يوم من حياة الطفل قد يرفع من فرص الإصابة بالأمراض المزمنة، ومن بينها مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، على المدى البعيد.
واستندت الدراسة التي أُجريت مؤخراً إلى البيانات التاريخية لفترة الحرب العالمية الثانية، عندما قامت بريطانيا بتقنين السكر وبعض المواد الغذائية الأخرى في فترة الخمسينات. وقد أظهرت النتائج أن الأطفال الذين وُلدوا في تلك الفترة، حيث كانت كميات السكر المتاحة لهم محدودة جداً في سنواتهم الأولى، كانت لديهم معدلات أقل من الإصابة بالأمراض المزمنة مقارنة بمن تناولوا السكر بكميات كبيرة في فترة طفولتهم.
الدراسة والمقارنة مع الأطفال الذين تناولوا السكر بكثرة
الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين من جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة، والتي قادتها الباحثة تاديجا غراسنر، ركزت على تحليل البيانات الصحية للبالغين الذين وُلدوا بين عامي 1951 و1956، في فترة تقنين السكر في بريطانيا. الباحثون استخدموا سجلات أكثر من 60 ألف شخص وُلدوا في تلك الفترة، ووجدوا أن أولئك الذين تعرضوا لتقنين السكر في سنواتهم الأولى كانوا أقل عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة 35%، وكان المرض يتأخر ظهور أعراضه لديهم بنحو أربع سنوات.
وتوضح غراسنر أن هذا الانخفاض في خطر الإصابة بالسكري قد يكون مرتبطاً بتقنين السكر في سن مبكرة، وهو ما قد يساعد في تجنب بعض الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم الذي انخفض بنسبة 20% وتأخر ظهوره لعامين لدى هؤلاء الأفراد.
أسباب التأثيرات الإيجابية لتقنين السكر
الباحثون في هذه الدراسة أشاروا إلى أن هذه النتائج تدعم فرضية أن تقليل تناول السكر في مرحلة مبكرة من الحياة قد يؤدي إلى تعديل تفضيلات الأطفال نحو الأطعمة الصحية وتقليل رغبتهم في تناول الحلويات بشكل مفرط. كما أضافوا أن المذاق واهتمامات التذوق تبدأ بالتشكيل في مرحلة الطفولة وتستمر طوال الحياة.
ووفقاً للباحثة تاديجا غراسنر، فإن هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لفهم السبب الدقيق وراء هذا التأثير، ولكن النتائج الأولية تشير إلى أن تقنين السكر في سنوات الطفولة المبكرة قد يضع الأفراد على مسار صحي أكثر. وقد يكون التفسير المحتمل لذلك هو أن التقليل من السكر في مرحلة الطفولة يساهم في تقليل التفضيلات نحو الأطعمة السكرية، مما يؤدي إلى تقليل مخاطر الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم في المستقبل.
دور التغذية قبل الولادة في الوقاية من الأمراض
وتضيف الدراسة أيضاً أن التغذية أثناء الحمل تلعب دوراً مهماً في الوقاية من الأمراض المزمنة في المستقبل. ويؤكد العديد من الخبراء أن النظام الغذائي للأم قبل الولادة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على صحة الجنين لاحقاً في حياته. وبذلك، تصبح عملية السيطرة على كمية السكر التي تتناولها الأم الحامل عاملاً مهماً في تجنب المخاطر الصحية المستقبلية التي قد يتعرض لها الطفل.
التوجهات المستقبلية في البحث والوقاية
في وقت لاحق، ركز الباحثون على إمكانية وجود علاقة بين علم الوراثة فوق الجينية، الذي يتعلق بتغيرات جينية تحدث في الأجنة ويمكن أن تؤثر على صحة الطفل بعد الولادة. وفي المستقبل، يسعى العلماء إلى دراسة التأثيرات المحتملة لمستويات السكر المناسبة التي يجب تناولها في فترة الحمل وكيفية تأثير هذه العوامل على نمو الجنين وصحة الطفل بعد ولادته.
التوصيات الطبية والوقاية
من جانب آخر، أكد مارك كوركينز، رئيس لجنة التغذية في الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أن نتائج هذه الدراسة تؤكد الحاجة إلى تكثيف الجهود لتحديد الكمية المثالية من السكر التي يجب أن يتناولها الأطفال والنساء الحوامل. وتعتبر الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال أن تغذية الأم قبل الولادة وأثناء العامين الأولين من حياة الطفل لها تأثير كبير على مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة في مرحلة الطفولة والبالغين.
في الختام، تشير هذه الدراسة إلى أن تقليل استهلاك السكر في الطفولة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي بعيد المدى في الوقاية من السكري وأمراض مزمنة أخرى، وهو ما يتطلب التوعية المبكرة للأسر والمجتمعات حول أهمية التغذية السليمة في السنوات الأولى من حياة الأطفال.