ليونيل جوسبان

وجّه رئيس وزراء فرنسا السابق ليونيل جوسبان رسالة إلى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بمناسبة ذكرى استشهاد المعلّم كمال جنبلاط، جاء فيها:

“عزيزي وليد جنبلاط،

الرسالة التي أوجهها إليكم اليوم، بمناسبة التكريم الذي تقدمونه لكمال جنبلاط، تعيد إلى ذاكرتي ماضياً يعود إلى نصف قرن.

إنها تستحضر ذلك اليوم، الذي كان للأسف وحيداً وفريداً، عندما التقيت بهذه الشخصية الاستثنائية.

كان ذلك في 4 تشرين الاول/أكتوبر 1976 في باريس، عندما استقبل فرانسوا ميتران، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي، في منزله قرب نهر السين، كمال جنبلاط، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان. كنت حينها شاباً وأشغل منصب السكرتير الدولي للحزب الاشتراكي لشؤون العالم الثالث، وحظيت بشرف حضور هذا اللقاء.

كان كمال جنبلاط وفرانسوا ميتران سعيدين بلقائهما، وسرعان ما انخرطا في حوار حر ومتأمل يسوده التفاهم والثقة.

كان الرجلان من جيل واحد، وُلدا بفارق عام واحد، أحدهما في ظل الإمبراطورية العثمانية المتداعية، والآخر وسط أتون الحرب التي كانت تخوضها القوى الأوروبية.

كانا يدركان بوضوح الفوارق التاريخية والثقافية التي شكلت سياق التزامهما السياسي، لكنهما كانا يتشاركان العطش للعدالة، والطموح إلى الحرية، والإرادة في تغيير البنى السياسية المتقادمة.

عندما تلقينا النبأ الفاجع باغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار/مارس 1977، طلب مني فرانسوا ميتران أن أمثل الاشتراكيين الفرنسيين في مراسم التكريم التي أقيمت له في لبنان، بحضور العديد من القوى السياسية في المنطقة.

في ذلك اليوم، في بيروت، شعرت بمدى الفراغ الذي سيتركه كمال جنبلاط في لبنان. فقد كان مخلصاً لمجتمعه لكنه لم يكن أسير حدوده، بل كان منفتحاً على الآخرين. وبفضل ذلك، استطاع توحيد القوى التقدمية في بلاده. كان رجلاً متأثراً بكل الروحانيات، يحترم الأديان لكنه يرفض التعصب الطائفي. وكان من دعاة السلام في الشرق الأوسط، مؤمناً بأن السلام لن يكون ممكناً من دون الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. وأخيراً، كان كمال جنبلاط، المدرك لتنوع الشعب اللبناني، يدافع عن وحدته ويطمح إلى تحقيق سيادته الكاملة.

وبعد رحيله، واصل نجله وليد جنبلاط الحفاظ على هذا الإرث السياسي الأساسي.

فليرشدنا المثال الذي قدمه كمال جنبلاط وتضحيته، وليظل نوراً يضيء مستقبل لبنان الذي نحبه جميعاً”.

البحث