في تطور علمي مفاجئ، كشفت دراسة حديثة أن تعرض الأجداد – وخاصة الذكور – لبعض المواد الكيميائية قد يؤثر على توقيت البلوغ لدى حفيداتهم، مما يفسر الانخفاض المتسارع في سن الحيض لدى الفتيات في الولايات المتحدة خلال العقود الخمسة الماضية.
فمنذ ستينيات القرن الماضي، انخفض متوسط سن البلوغ لدى الفتيات من 13.5 عاماً إلى نحو 12 عاماً، مع تزايد الحالات التي يبدأ فيها البلوغ في سن مبكرة تصل إلى 8 سنوات. هذا التغير أثار قلق الخبراء، ودفع باحثين من جامعة “إيموري” لإجراء دراسة معمقة لكشف العوامل الخفية وراء هذا التحول.
ووفقاً للنتائج التي قُدمت خلال الاجتماع السنوي لجمعية الغدد الصماء في سان فرانسيسكو، تبين أن السبب قد يكون مرتبطاً بالتعرض البيئي للمواد الكيميائية مثل الفينوكسي إيثانول، وهي مادة حافظة شائعة في مستحضرات التجميل وبعض الأطعمة.
اعتمد الباحثون على بيانات من مشروع “دراسات صحة الطفل وتطوره” (CHDS) الذي انطلق في ستينيات القرن الماضي، حيث قاموا بتحليل عينات دم تعود لـ249 زوجاً، ثم تتبعوا أعمار البلوغ لدى بناتهم وحفيداتهم.
النتائج كانت لافتة: لم يتغير سن البلوغ بين الجيلين الأول والثاني، لكنه انخفض بمقدار عام كامل لدى الحفيدات، المولودات في التسعينيات. الأغرب أن تأثير التعرض الكيميائي من جهة الآباء (الأجداد) كان أقوى من تأثير الأمهات، ما يناقض الاعتقاد السائد بأن العوامل الأنثوية هي المحدد الرئيسي لتوقيت البلوغ.
أرجعت الدراسة هذا التأثير إلى تغيرات “لاجينية” — وهي تعديلات في طريقة عمل الجينات دون تغيير الشيفرة الوراثية نفسها — تنتقل عبر الأجيال. فالحيوانات المنوية قد تحمل “علامات كيميائية” تسببت بها تلك المواد، مما يؤدي إلى تسريع النمو الجنسي عند الجيل الثالث.
وقالت الباحثة الرئيسية، الدكتورة شين هو، إن هذه النتائج “تعيد رسم خريطة فهمنا لتأثير البيئة على الصحة الإنجابية، وتؤكد على أهمية إشراك الرجال في برامج الوقاية، وليس فقط الأمهات كما كان يُعتقد سابقاً”.
البلوغ المبكر لا يأتي من دون مخاطر، فهو يرتبط بزيادة فرص الإصابة بأمراض مثل السمنة، السكري، السرطان، ومشاكل نفسية مثل الاكتئاب — ما يجعل هذه النتائج دافعاً قوياً لمراجعة السياسات الصحية المرتبطة بالتعرض الكيميائي في الحياة اليومية.