أشعلت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2025 موجة واسعة من الرسوم الجمركية، أعادت تعريف المشهد التجاري العالمي ورفعت التعريفات على الواردات الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ الكساد الكبير، ما أربك الأسواق وأطلق جولات تفاوض مكثّفة مع شركاء واشنطن التجاريين.
وبحسب «مختبر الميزانية» في جامعة ييل، ارتفع متوسط معدل الرسوم الجمركية إلى نحو 17% بعد أن كان دون 3% نهاية 2024، فيما تدرّ هذه الرسوم حاليًا إيرادات تقارب 30 مليار دولار شهريًا للخزانة الأميركية. ودفع ذلك قادة دول إلى الإسراع نحو واشنطن لإبرام اتفاقيات تخفيف للرسوم، غالبًا مقابل تعهدات باستثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة.
وتم التوصل إلى اتفاقيات إطارية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ودول أخرى، بينما بقيت الصين خارج أي اتفاق نهائي رغم جولات محادثات ولقاء مباشر بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ. وانتُقدت بروكسل بسبب قبولها رسوماً بنسبة 15% على صادراتها، واعتُبرت الصفقة «الأقل سوءًا» بين الخيارات المتاحة.
ورغم المخاوف، أظهرت الاقتصادات الأوروبية قدرة على التكيّف مع المعدلات الجديدة عبر إعفاءات وإيجاد أسواق بديلة، وقدّر بنك «سوسيتيه جنرال» الأثر المباشر للرسوم بنحو 0.37% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو. في المقابل، واصلت الصين تسجيل فائض تجاري تجاوز تريليون دولار، مستفيدة من تنويع تجارتها والارتقاء بسلسلة القيمة، واستخدام نفوذ المعادن الأرضية النادرة.
وعلى خلاف التوقعات بحدوث تضخم مرتفع أو ركود حاد، سجّل الاقتصاد الأميركي انكماشًا محدودًا في الربع الأول من 2025 قبل أن يتعافى سريعًا، مدعومًا باستثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي وإنفاق استهلاكي قوي. كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي مرتين بعد إعلان الرسوم، مع تراجع الضبابية وإبرام اتفاقيات خفض لاحقة.
وفي 2026، تبرز تساؤلات حول مصير الرسوم، إذ تنظر المحكمة العليا الأميركية في الطعون القانونية، مع ترجيح صدور قرار مطلع العام. ورغم تأكيد إدارة ترامب امتلاكها بدائل قانونية للإبقاء على الرسوم، فإن خسارة محتملة قد تفتح باب إعادة التفاوض أو مرحلة جديدة من عدم اليقين.
وتتجه الأنظار أيضًا إلى علاقة أوروبا التجارية مع الصين، وإمكانية لجوء بروكسل إلى إجراءات حمائية لمعالجة ما تصفه باختلالات تجارية. كما يلوح ملف تثبيت تهدئة تجارية بين واشنطن وبكين، مع لقاءين مرتقبين بين ترامب وشي خلال 2026، إضافة إلى مراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك.
ويرى محللون أن الإدارة الأميركية تميل إلى تخفيف حدّة التشدد الجمركي لتقليل ضغوط التضخم، معتبرين أن التوصل إلى اتفاق مع الصين سيكون أكثر فائدة سياسيًا واقتصاديًا للولايات المتحدة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي.