فلوريدا

شهدت منطقة فلوريدا خلال القرون الماضية صراعًا طويلًا على النفوذ والسيطرة، وكان لإسبانيا حضور بارز فيها منذ عام 1513، حين وصل المستكشف خوان بونسي دي ليون إلى الشواطئ الأميركية وأطلق على المنطقة اسم “فلوريدا”. سرعان ما أنشأت إسبانيا مستعمرات فيها وبسطت هيمنتها لمدة تقارب 250 عامًا.

غير أن السيطرة الإسبانية لم تدم دون انقطاع، إذ تخلّت مدريد عن فلوريدا لصالح بريطانيا عام 1763 في أعقاب حرب السبع سنوات، وذلك مقابل استعادتهم لجزيرة كوبا. وبعد حرب الاستقلال الأميركية، أعادت اتفاقية باريس عام 1783 فلوريدا إلى الحكم الإسباني. ومنذ ذلك الحين، بدأت المنطقة تشهد توترًا متزايدًا بين الأميركيين والإسبان.

أزمة حدود ونفوذ

مع توسع الولايات المتحدة جنوبًا وغربًا، خصوصًا بعد شراء لويزيانا من فرنسا عام 1803، دخلت في خلافات حادة مع إسبانيا بسبب غياب ترسيم دقيق للحدود بين أراضيها وفلوريدا. في تلك الفترة، كانت إسبانيا تمر بمرحلة ضعف داخلي، فغزاها نابليون بونابرت، وواجهت ثورات واسعة في مستعمراتها بأميركا اللاتينية، مما أضعف قدرتها على السيطرة على فلوريدا، التي كانت تضم عددًا قليلاً من المستوطنين الإسبان.

تزامن ذلك مع تحوّل فلوريدا إلى ملاذ للعبيد الفارين والعصابات، ما دفع الجيش الأميركي بقيادة أندرو جاكسون (الرئيس الأميركي لاحقًا) للتدخل العسكري مرارًا، والسيطرة على مواقع عسكرية إسبانية فيها. ومع تصاعد الضغوط، رأت مدريد أن الحلّ الأنسب هو التفاوض بدلاً من خسارة الإقليم بقوة السلاح.

اتفاق أدامز–أونيس: فلوريدا مقابل المال

في 22 فبراير 1819، وُقعت معاهدة أدامز–أونيس بين الولايات المتحدة وإسبانيا، نسبة إلى جون كوينسي أدامز، وزير الخارجية الأميركي حينها، ولويس دي أونيس، المفاوض الإسباني. بموجب الاتفاق، تخلّت إسبانيا عن فلوريدا الشرقية والغربية للولايات المتحدة، مقابل ضمان ترسيم الحدود الغربية بدقة بين الولايات المتحدة و”إسبانيا الجديدة” (المكسيك لاحقًا).

ولم يكن ذلك فقط، فقد تعهدت واشنطن بدفع 5 ملايين دولار لتسوية مطالبات مالية لمواطنين أميركيين وإسبان ضد الحكومة الإسبانية. كما وافقت على التخلي عن مطالبها بضم تكساس في تلك المرحلة.

ورغم توقيع المعاهدة عام 1819، لم تدخل حيّز التنفيذ إلا بعد عامين، في 22 فبراير 1821، نتيجة الاضطرابات السياسية في إسبانيا آنذاك.

هكذا، أصبحت فلوريدا رسميًا ولاية أميركية، مقابل خمسة ملايين دولار فقط، في واحدة من أكثر صفقات الأرض تأثيرًا في التاريخ الأميركي الحديث.

البحث