كشفت دراسة علمية رائدة أجراها فريق من العلماء الصينيين والكنديين عن وجود “محرك طاقة” مفاجئ يغذي نظامًا بيئيًا واسعًا ونابضًا بالحياة في أعماق الأرض، حيث كان يُعتقد سابقًا أن هذه الطبقات عميقة وقاحلة ومعزولة عن أي حياة.
تستند الدراسة، التي نشرها باحثون من معهد قوانغتشو للكيمياء الجيولوجية وجامعة ألبرتا في مجلة “ساينس أدفانسز”، إلى فكرة أن عمليات تكسر وطحن قشرة الأرض أثناء الزلازل والتحولات التكتونية تولد طاقة كيميائية حيوية تدعم الحياة في أعماق باطن الأرض.
بعكس التصورات الخيالية التي رسمها جول فيرن في القرن التاسع عشر، والتي تصور وجود مخلوقات عملاقة في عوالم جوفية مضيئة، فإن العلم التقليدي كان يعتقد أن الحياة في أعماق الأرض شبه مستحيلة بسبب نقص الضوء والمواد العضوية.
غير أن الاكتشافات الحديثة أظهرت وجود غلاف حيوي عميق يضم نحو 95% من بدائيات النوى على كوكب الأرض، ويشكل نحو خُمس الكتلة الحيوية الإجمالية للكوكب.
قام الباحثون بمحاكاة في المختبر تأثير الكسور الصخرية الناتجة عن الامتداد والكسر بالقص على معدن الكوارتز الشائع، حيث تكسر هذه العمليات جزيئات الماء مكونةً غاز الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين. يتفاعل هذان الغازان ليكوّنا “ثنائي أكسدة-اختزال” ينتج طاقة كهربائية تكفي لدعم معظم التفاعلات الحيوية.
يلعب الحديد، أحد العناصر الأكثر وفرة، دوراً مركزياً في هذه العملية الكيميائية التي تولد شبكة طاقة جوفية تغذي الحياة الميكروبية وتُسهم في دورات الكربون والنيتروجين والكبريت في باطن الأرض.
ويُعتقد أن هذه العملية قد تكون سر أصول الأكسجين والهيدروجين الأولى على الأرض، وربما تمثل آلية محورية في التطور المبكر للحياة والمعادن.
إضافة إلى ذلك، توفر أعماق الأرض ملاذًا محميًا من الأشعة فوق البنفسجية والاصطدامات الكارثية، ما يجعلها بيئة محتملة لنشأة الحياة وتطورها.
تشير الدراسة إلى أن زلزالًا متوسط الشدة يمكن أن يولد تدفقات هيدروجينية تفوق مئات الآلاف من المرات إنتاج الطاقة من التحليل الإشعاعي أو التفاعلات الكيمياوية المعروفة، ما يدعم حياة ميكروبية كيمياوية نشطة.
وحول أهمية هذه الاكتشافات، تقول الباحثة هي هونغ بينغ: “عملية تحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كيميائية ليست فريدة على الأرض، بل قد تحدث في أجسام كوكبية أخرى مثل المريخ وقمر زحل إنسيلادوس. يمكن أن يكون وجود إشارات كيميائية مشابهة دليلاً على حياة نشطة تحت السطح في هذه الأجسام.”
لذا، في كل مرة تشعر بهزة أرضية، تذكر أن أعماق كوكبنا قد تخفي عالماً حيوياً نابضاً بالطاقة، وربما حتى عوالم تحت سطحية أخرى في الفضاء تحمل الحياة في ظلامها.