أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون من معهد «دوندرز» في جامعة «رادبود» الهولندية، ونُشرت أواخر يونيو (حزيران) في مجلة Science Advances، أن الأطفال الرضّع قادرون على التعلم والتكيّف مع التغيرات البيئية في عمر مبكر جداً، لا يتجاوز ثمانية أشهر، وذلك بطريقة إيجابية ومرنة، على عكس ما كان يُعتقد سابقاً بأن ردود فعلهم في هذه السن المبكرة تكون سلبية أو عشوائية.
تعلّم مبكر واستجابات دقيقة
اعتمدت الدراسة على استخدام جهاز متطور لتتبّع حجم حدقة العين، لرصد ردود فعل مجموعة من الرضّع أثناء مشاهدة لعبة تفاعلية، تتضمن ظهور صورة “وحش ملوّن” في أماكن مختلفة من الشاشة. ومع تكرار العرض، بدأ الأطفال بالتنبؤ بالمكان الذي سيظهر فيه الوحش، مما أظهر قدرتهم على التعلّم من النمط المتغيّر وتحديث توقعاتهم وفقاً للمستجدات.
الرؤية والاستجابة العاطفية
كشف رصد حدقة العين عن أن الأطفال الرضّع أبدوا مشاعر مثل التوتر أو الدهشة بحسب السياق، تماماً كما يفعل الأطفال الأكبر سناً أو البالغون. وقد أظهر التغير في حجم الحدقة قبل ظهور الوحش مباشرة حالة من الترقب، بينما دلّ التغيّر بعد ظهوره على عنصر المفاجأة والانفعال، ما يدل على أن الدماغ الرضيع يتفاعل مع التغيير البيئي بوعي نسبي.
الشخصية والانفعالات منذ الصغر
طلب الباحثون من الأهالي تعبئة استبيان يصف مزاج أطفالهم، شمل مقاييس مثل سهولة الانزعاج، والقدرة على التركيز، وتكرار مشاعر الفرح أو الحماس. وتبيّن أن الأطفال الذين أظهروا ردود فعل مبالغاً فيها تجاه التغييرات الصغيرة، واجهوا صعوبة في تنظيم انفعالاتهم، وأظهروا مشاعر إيجابية أقل، في حين أن أولئك الذين تفاعلوا بهدوء كانوا أكثر قدرة على التكيّف، وأكثر مرحاً واستقراراً عاطفياً.
فروق فردية ذات أثر طويل
وأكد الباحثون أن الفروق الفردية في التعامل مع التغيرات البيئية تظهر في عمر مبكر جداً، ولها تأثير طويل الأمد على النمو النفسي والاجتماعي. وأوصت الدراسة بضرورة مراعاة هذه الخلفيات العاطفية والنفسية في البيئات التعليمية، خاصة عند التعامل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلّم أو التركيز، إذ أن جذور هذه التحديات قد تعود إلى اختلافات مبكرة في طريقة استجابة الدماغ للتغيير.