لأكثر من ستة قرون، ظلت قصة انتشار الطاعون الأسود عبر طرق الحرير تُروى كحقيقة تاريخية. لكن دراسة حديثة نشرتها مجلة Journal of Arabic and Islamic Studies تكشف أن هذه الرواية قد تكون مجرد أسطورة ناتجة عن سوء فهم أدبي.
الباحثان محمد عمر ونهيان فانسي أوضحا أن الحكاية تعود إلى مقامه أدبية عربية من القرن الرابع عشر كتبها ابن الوردي في حلب خلال وباء عام 1348–1349. المقامة، وهي شكل أدبي تقليدي يركز على شخصية المخادع المتجول، صورت الطاعون كشخصية متجولة تدمر مناطق مختلفة على مدى 15 عاماً، من الصين إلى البحر المتوسط.
ومع مرور الوقت، فُسرت هذه الرواية المجازية خطأً على أنها سرد تاريخي حرفي، ما أدى إلى ظهور “نظرية الانتشار السريع”، التي تزعم انتقال الطاعون من آسيا الوسطى إلى البحر المتوسط في أقل من عقد. وحتى بعض علماء الوراثة المعاصرين اعتمدوا على هذه الرواية لتفسير سرعة انتشار بكتيريا اليرسينيا الطاعونية.
ويشير الباحثان إلى أن هذه المقامة لم تكن النص الأدبي الوحيد الذي صور الطاعون بهذه الطريقة. فهناك مقامات أخرى، مثل تلك للكاتب الدمشقي الصفدي، صورت الطاعون كزائر مخادع يهدف إلى نقل رسالة أخلاقية وروحية، وليس تقريرًا طبياً دقيقًا.
ويؤكد البروفيسور فانسي: “جميع الطرق التي تؤدي إلى الوصف غير الدقيق لانتشار الطاعون تعود إلى هذا النص الوحيد. ولا ينبغي فهمه حرفياً”.
توضح هذه الدراسة كيف يمكن للأدب أن يشكل الذاكرة التاريخية للكوارث، وكيف تحوّل الناس المحنة إلى إبداع. ففي حين أن المقامات كانت وسيلة للتسلية والتعليم الأخلاقي، فإنها كشفت عن مقاومة الإنسان للوباء وتفاعله معه بشكل فني وثقافي.
وبفهم هذا السياق الأدبي، يمكن إعادة النظر في حالات تفشي الطاعون السابقة، مثل وباء دمشق 1258 ووباء كايفنغ 1232-1233، من منظور جديد يركز على استجابة كل مجتمع للوباء وكيف تشكلت ذاكرته التاريخية.
وهكذا تتحول قصة الطاعون من مجرد سرد جغرافي إلى نافذة على روح العصور الوسطى، تكشف كيف واجه الإنسان الموت، وحوّل الخوف إلى إبداع، وكيف يمكن لسوء الفهم الأدبي أن يشكل رواية تاريخية استمرت لقرون.