دول نووية

عادت كشمير إلى واجهة المشهد الدولي، بعد تصاعد التوترات الأخيرة في المنطقة، عقب هجوم دامٍ في مروج الهملايا ورد عسكري هندي مثير للجدل، ما جعل هذه البقعة الجبلية المتنازع عليها بين الهند وباكستان والصين مجدداً واحدة من أكثر النقاط اشتعالاً في آسيا.

منذ نحو قرنين، شكّلت كشمير بؤرة لصراع معقد يتداخل فيه التاريخ الاستعماري بالتوترات القومية والطائفية والمصالح الجيوسياسية. ويعود أصل الأزمة إلى عام 1846، حينما منحت بريطانيا المنطقة للمهراجا الهندوسي غلاب سينغ عقب معاهدة أمريتسار، وظلت منذ ذلك الحين منطقة نزاع إقليمي، تعمّق أكثر بعد انسحاب بريطانيا عام 1947، وانقسام الهند إلى دولتين.

رفض الحاكم المهراجا حينها الانضمام لأي طرف، لكنه اضطر إلى طلب المساعدة من نيودلهي لمواجهة هجوم من مقاتلين مدعومين من باكستان، ما دفعه للموافقة على ضم كشمير للهند. ومنذ ذلك الحين، تُقسم المنطقة فعلياً بين الهند وباكستان، في حين تسيطر الصين على منطقة “أكساي تشين” منذ حرب 1962.

الحضور الصيني أضفى طابعاً ثلاثياً على النزاع، خصوصاً أن بكين استثمرت بشكل كبير في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، الذي يعبر مناطق كشميرية خاضعة لسيطرة إسلام أباد. وبرغم سعي الصين لإظهار الحياد، فإن وجودها العسكري والاقتصادي في كشمير يعكس مصالح أوسع تتجاوز النزاع الهندي-الباكستاني.

وعلى مدار العقود الماضية، شهدت كشمير حربين مباشرتين بين نيودلهي وإسلام أباد، في عامي 1965 و1999، إضافة إلى آلاف القتلى نتيجة المواجهات والعمليات المسلحة. ويمثل الإقليم بالنسبة للهند رمزاً لوحدة الدولة رغم الغالبية المسلمة فيه، بينما تراه باكستان امتداداً طبيعياً لها.

وفي عام 2019، ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي للمنطقة بموجب المادة 370 من الدستور، ما أثار مخاوف بشأن تغيير التركيبة السكانية وأدى إلى تشديد القبضة الأمنية، وسط اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة.

التصعيد الأخير في أبريل 2025، بعد هجوم أسفر عن مقتل 26 مدنياً، فجّر مجدداً المواجهات، مع غارات هندية داخل الأراضي الباكستانية وتدهور في العلاقات الثنائية. ويترافق ذلك مع القلق من الانزلاق إلى مواجهة نووية، حيث تمتلك كل من الهند وباكستان مئات الرؤوس النووية، وتختلف عقيدتهما في الاستخدام.

الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، دعت الطرفين إلى التهدئة، مع قلق متزايد من تفجر نزاع واسع في منطقة نووية تزداد فيها تشابكات الأمن والطاقة والطرق العابرة للقارات.

في المحصلة، تبقى كشمير عقدة جيوسياسية معقّدة، تتجاوز كونها مجرد أرض متنازع عليها، لتُجسد صراعاً إقليمياً مرشّحاً للانفجار في أي لحظة.

البحث