هل كنت تعتقد أن الجدري المائي (Chickenpox) الذي أصبت به في طفولتك قد انتهى للأبد؟ للأسف، هذا ليس صحيحًا تمامًا، إذ يبقى الفيروس المسبب له، وهو فيروس الحماق النطاقي (Varicella-Zoster Virus)، كامناً في جهازك العصبي لسنوات طويلة بعد الشفاء، منتظرًا اللحظة المناسبة للعودة بشكل أكثر ألمًا وشراسة فيما يُعرف بـ«الحزام الناري».
آلام شديدة
تخيل أنك تشعر بألم يشبه صدمات كهربائية أو حروقًا شديدة، وأن أبسط الأنشطة اليومية مثل ارتداء الملابس أو النوم تتحول إلى معاناة! هذا ما يعانيه مرضى الحزام الناري، الذي يظهر على شكل طفح جلدي مؤلم، لكنه قد يتسبب في مضاعفات خطيرة مثل التهابات عصبية، فقدان البصر، وحتى الشلل الجزئي في بعض الحالات.
لكن هل يمكن الوقاية منه؟ وكيف يمكن علاجه قبل أن يتحول إلى مشكلة مزمنة؟ مع زيادة الوعي الصحي، توصي وزارة الصحة السعودية بلقاح خاص يساعد في الوقاية من الحزام الناري وتقليل شدته ومضاعفاته، خاصة لأولئك الذين تجاوزوا سن 50 عامًا أو يعانون من أمراض مزمنة وضعف في المناعة.
مرض الحزام الناري
مرض فيروسي مؤلم: تحدثت “صحتك” مع الدكتورة نسرين مراد الشربيني، استشارية الأمراض المعدية للكبار ورئيسة قسم الأمراض المعدية في مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية بالرياض، التي أوضحت أن الحزام الناري (Shingles) قد يظهر على شكل طفح جلدي بسيط، ولكنه في الواقع مرض فيروسي مؤلم قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على جودة الحياة وقدرة الشخص على أداء مهامه اليومية.
ويعاني المرضى من آلام قد تستمر لعدة أشهر أو حتى سنوات، وقد تؤدي تداعياته إلى مشكلات عصبية وبصرية دائمة. بالإضافة إلى تأثيره الصحي، يشكل الحزام الناري عبئًا اقتصاديًا على أنظمة الرعاية الصحية بسبب مضاعفاته التي قد تستدعي التنويم في المستشفيات والعلاج طويل الأمد.
في المملكة العربية السعودية، يأتي التركيز على الوقاية من هذا المرض ضمن أهداف “رؤية 2030” لتحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة العامة، خصوصًا مع توفر لقاحات فعالة تقلل من احتمالية الإصابة أو تخفف من شدته ومضاعفاته.
ما هو الحزام الناري ولماذا يصيب كبار السن؟
الحزام الناري هو نتيجة لإعادة تنشيط فيروس الحماق النطاقي (Varicella-Zoster Virus)، الذي يسبب أيضًا الجدري المائي.
بعد الإصابة بالجدري المائي في الطفولة، يبقى الفيروس كامناً في العقد العصبية لسنوات طويلة، ليعود للنشاط لاحقًا عند ضعف المناعة بسبب التقدم في العمر أو الأمراض المزمنة.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من الأشخاص فوق سن 50 عامًا يحملون الفيروس بشكل خامد، مما يجعلهم عرضة للإصابة بالحزام الناري في مرحلة ما من حياتهم.
يظهر المرض على شكل طفح جلدي مؤلم في جانب واحد من الجسم، قد يرافقه ألم شديد يشبه الوخز أو الحرق، مما يؤثر على النوم، ارتداء الملابس، وحتى المشي، وقد ينتهي عند بعض الأشخاص بمضاعفات شديدة تؤثر على جودة حياتهم.
مضاعفات الحزام الناري
توضح الدكتورة نسرين الشربيني أن المريض قد يتعافى في غضون أسابيع، لكن البعض يعاني من مضاعفات طويلة الأمد تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية، ويستمر فيها الألم لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر وقد يمتد لسنوات بعد اختفاء الطفح، ومنها:
الألم العصبي التالي للهربس: وهو أكثر المضاعفات شيوعًا، حيث يستمر الألم الحاد لشهور أو حتى سنوات بعد اختفاء الطفح. يوصف الألم بأنه وخز بالإبر أو حرق شديد أو صدمات كهربائية.
مضاعفات العيون: عند إصابة العين بالحزام الناري، قد يؤدي الفيروس إلى التهابات مؤلمة في القرنية أو القزحية، ما قد يتسبب في فقدان البصر.
التهابات الجهاز العصبي: في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي الفيروس إلى التهاب السحايا، إصابة أنسجة الدماغ، أو شلل العصب السابع الوجهي (Bell’s Palsy). وقد يتسبب في مشاكل سمعية أو فقدان التوازن نتيجة إصابة العصب الثامن.
التهابات جلدية: في حال عدم التعامل بشكل صحيح مع الطفح، قد تحدث عدوى بكتيرية ثانوية تؤدي إلى تقيحات وندبات دائمة.
العلاج
متى يجب زيارة الطبيب؟ يجب استشارة الطبيب المختص فور ظهور الطفح الجلدي، لأن بدء العلاج في أول 72 ساعة يمكن أن يساعد في تسريع الشفاء وتقليل فرص الانتشار وتخفيف شدة الألم ومدته، وتقليل خطر حدوث مضاعفات مثل الألم العصبي المزمن.
العلاج الطبي يشمل:
مسكنات الألم: مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية أو أدوية الأعصاب مثل Pregabalin وGabapentin.
المضادات الحيوية: لعلاج العدوى البكتيرية الثانوية في الطفح.
مضادات الفيروسات: مثل Acyclovir وValacyclovir لوقف تكاثر الفيروس.
وغالبًا ما تستمر الأعراض مدة تتراوح بين 2 إلى 6 أسابيع. وعلى الرغم من أن معظم المصابين بالحزام الناري يصابون به مرة واحدة، إلا أن هناك احتمالًا للإصابة به مرة أخرى.
وسائل الوقاية
كيف تحمي نفسك من الحزام الناري؟ توصي وزارة الصحة السعودية بتلقي لقاح الحزام الناري للأشخاص فوق سن 50 عامًا كإجراء وقائي، خاصة لأولئك الذين لديهم عوامل خطر تزيد من احتمال الإصابة أو المضاعفات. ومن المهم استشارة طبيب الرعاية الصحية الأولية لترتيب عملية أخذ اللقاح، خصوصًا للفئات التالية:
مرضى السكري، وأمراض القلب، وأمراض الكلى المزمنة.
الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة أو يتناولون أدوية مثبطة للمناعة، مثل العلاج الكيميائي أو أدوية الكورتيزون.
المرضى الذين خضعوا لزراعة الأعضاء أو يعانون من التهابات مزمنة.
اللقاح:
يتكون من جرعتين تؤخذان في العضل بفارق 2 إلى 6 أشهر بينهما.
يقلل من خطر الإصابة بالحزام الناري بنسبة تصل إلى 90%.
يساعد في تقليل شدة الأعراض والمضاعفات إذا حدثت الإصابة.
يوفر حماية طويلة الأمد ضد الفيروس، مما يقلل من فرص الإصابة مرة أخرى.
من الضروري استشارة الطبيب لتحديد مدى ملاءمة اللقاح لكل شخص وترتيب موعد أخذه، حيث يُعتبر أفضل وسيلة للوقاية من الحزام الناري ومضاعفاته الخطيرة.
التعايش مع الحزام الناري
على الرغم من أن الحزام الناري قد يكون مؤلمًا، إلا أن التعايش معه ممكن من خلال اتباع استراتيجيات لتخفيف الأعراض وتسريع الشفاء، مع تجنب المضاعفات قدر الإمكان. بعض النصائح للمساعدة في ذلك:
السيطرة على الألم: تناول الأدوية الموصوفة، مثل مسكنات الألم والأدوية الخاصة للألم العصبي.
استخدام كمادات باردة: لتهدئة الحكة وتخفيف الألم، وتجنب الماء الساخن.
ترطيب الجلد بلطف: باستخدام كريمات مهدئة لتقليل التهيج.
الحفاظ على صحة الجلد: غسل المنطقة المصابة بلطف وتجفيفها جيدًا.
دعم الجهاز المناعي: الحصول على قسط كافٍ من الراحة، اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة تمارين خفيفة.
في الختام، من المهم أن نتذكر أن الوقاية خير من العلاج، وأن الالتزام بنمط حياة صحي واستشارة الطبيب عند الشعور بأي أعراض مرضية يساعد في الوقاية من الحزام الناري.