الذكاء الاصطناعي

يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورًا ملحوظًا، حيث أصبحت النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) قادرة على أداء مهام معرفية معقدة في الطب. من إجابة الأسئلة الطبية متعددة الاختيارات إلى تقديم استدلالات سريرية متقدمة وتشخيص الحالات الطبية المعقدة، يثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في دعم التشخيص الطبي.

وتلفت الإحصائيات إلى أن الأخطاء التشخيصية تتسبب في وفاة أو إعاقات دائمة لنحو 795 ألف مريض سنويًا في الولايات المتحدة. مع التكاليف المرتفعة الناتجة عن التشخيص الخاطئ أو المتأخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مهمًا في تحسين دقة التشخيصات وتقليل الأخطاء الطبية. على مدار العامين الماضيين، تفوقت نماذج الذكاء الاصطناعي “مغلقة المصدر”، مثل GPT-4 من شركة “أوبن إي آي”، في تشخيص الحالات الطبية المعقدة، ما جعلها جزءًا أساسيًا من تطبيقات الرعاية الصحية. ورغم توفر نماذج “مفتوحة المصدر”، إلا أنها لم تحقق نفس الأداء حتى الآن.

ورغم ذلك، أظهرت دراسة أجراها باحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد عن قدرة النماذج الحديثة مفتوحة المصدر مثل (Llama 3.1) من شركة “ميتا” على منافسة النماذج المغلقة، حيث أظهرت نتائج واعدة في اختبارات متقدمة. أظهرت الدراسة أن (Llama 3.1) قدم أداءً مشابهًا لأحد أقوى النماذج المغلقة في تشخيص الحالات الطبية المعقدة. وقد نُشرت نتائج الدراسة في 17 آذار 2025 في دورية (JAMA Health Forum).

ويعتبر (Llama 3.1) جزءًا من سلسلة نماذج (Llama) التي تطورها “ميتا” كبديل مفتوح المصدر، مما يتيح للباحثين استخدامها وتعديلها بحرية دون قيود تجارية. تتميز النماذج المفتوحة بإمكانية تخصيصها وفق الاحتياجات الخاصة، مثل التدريب على بيانات داخلية دون المساس بالمعلومات الحساسة، في حين تبقى النماذج المغلقة احتكارية وتعمل فقط عبر خوادم الشركات.

تشخيص الأمراض

وتتكل نماذج الذكاء الاصطناعي، سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، على تحليل بيانات ضخمة تشمل الكتب الطبية والأبحاث وبيانات المرضى، مما يساعدها في تشخيص الأمراض مثل الأورام وفشل القلب والتهابات القولون. وعند مواجهة حالة جديدة، تقوم النماذج بمقارنة المعلومات الواردة بما تعلمته سابقًا لتقديم تشخيصات محتملة.

خلال الدراسة، خضع نموذج (Llama 3.1) لاختبار شمل 70 حالة سريرية معقدة و22 حالة جديدة لضمان دقة التقييم. وحقق دقة 70% في التشخيص، متفوقًا على (GPT-4) الذي سجل 64%، كما حدد التشخيص الصحيح في محاولته الأولى بنسبة 41% مقارنة بـ 37% لـ (GPT-4). أما في الحالات الجديدة، فقد ارتفعت دقة (Llama 3.1) إلى 73%، مع تحديد التشخيص الصحيح في المقترح الأول بنسبة 45%.

قال الدكتور أرغون مانراي، الباحث الرئيسي للدراسة وأستاذ المعلوماتية الطبية الحيوية بجامعة هارفارد، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مساعدًا موثوقًا للأطباء إذا أُدمج بشكل حكيم في البنية التحتية الصحية.

وأضاف في حديثه لـ “الشرق الأوسط” أن النماذج المفتوحة والمغلقة تختلف من حيث الخصوصية وأمان البيانات، حيث تتيح النماذج المفتوحة تشغيلها والاحتفاظ بالبيانات داخل المستشفيات، مما يحافظ على سرية بيانات المرضى، في حين تتطلب النماذج المغلقة إرسال البيانات إلى خوادم خارجية، مما قد يثير مخاوف أمنية. كما أن النماذج المفتوحة أكثر مرونة وأقل تكلفة، ما يجعلها مناسبة للمؤسسات محدودة الموارد.

ولفت مانراي إلى تحديات تواجه تبني النماذج المفتوحة، مثل الحاجة إلى فريق تقني للصيانة وصعوبة تكاملها مع الأنظمة الطبية مقارنة بالنماذج المغلقة التي تقدم دعمًا فنيًا متكاملاً. كما أن ضمان دقة النماذج المفتوحة يتطلب دراسات سريرية إضافية وتحديثات مستمرة لتحسين الأداء وتجنب التحيزات.

منصات مفتوحة المصدر

وتتيح العديد من المنصات الطبية المفتوحة المصدر، مثل منصة (Azure AI Foundry) من “مايكروسوفت”، التي تقدم نماذج متقدمة لتحليل الصور الطبية وإعداد تقارير الأشعة السينية. تضم المنصة نماذج مثل (MedImageInsight) لتصنيف الصور وكشف الحالات غير الطبيعية، و(MedImageParse) لتحديد حدود الأورام والأعضاء، و(CXRReportGen) لتحليل صور الأشعة السينية وإنتاج تقارير تشخيصية تلقائيًا، مما يعزز دقة التشخيص ويسرع من إعداد التقارير الطبية.

كما طوّرت شركة “إنفيديا” مع جامعة كينغز كوليدج لندن منصة (MONAI) لدعم بناء وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في التصوير الطبي مع تعزيز الخصوصية ودقة التشخيص.

وفي آذار 2024، أطلق باحثو جامعة كورنيل الأمريكية منصة (OpenMEDLab) لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متعددة الوسائط في المجال الطبي، مستندة إلى نماذج مثل (Gemini) من “غوغل”، مما يتيح نتائج تنافسية ويشجع الابتكار في الرعاية الصحية.

البحث