مدارس-امتحانات

جاء في نداء الوطن:

يعود ملف الأقساط المدرسية ليتصدّر المشهد من جديد، مع تسجيل زيادات تصل في بعض المدارس إلى حدود 35 % للعام الدراسي المقبل، الأمر الذي يثير غضب الأهل ويدفعهم إلى المواجهة القانونية.

وفي هذا السياق، تعيش إحدى المدارس المعروفة في منطقة كسروان حالة من التوتر، بعدما وزّعت إدارة المدرسة ورقة على الأهل تطالبهم فيها بدفع زيادة تُقدّر بحوالى ألف دولار على القسط السنوي. هذه الخطوة فجّرت اعتراضات واسعة، دفعت حوالى 380 وليّ أمر إلى التوقيع على عريضة رافضة لهذه الزيادة، بالتزامن مع دخول لجنة الأهل في مفاوضات مفتوحة مع الإدارة بهدف التوصل إلى اتفاق يُنصف الأهل ويمنع تحميلهم أعباء إضافية تفوق قدرتهم، وعلمت “نداء الوطن” أن الأهالي، بدعم من لجنة الأهل، قاموا بتحضير كتاب رسمي موجّه إلى إدارة المدرسة يتضمّن مضمون العريضة، على أن يُبلَّغ عبر المحكمة. وبحسب الإجراءات القانونية، أمام المدرسة مهلة 15 يوماً لاتخاذ موقف واضح من الاعتراضات المطروحة، وإلاّ سيتم اللجوء إلى المجالس التحكيمية التربوية، على أن يتم ذلك قبل نهاية شهر تموز.

لكن الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، إذ علمت “نداء الوطن” أن المدرسة نفسها دخلت في خلاف مع إحدى العائلات بعد أن رفضت الإدارة تسليم دفتر العلامات لولدهم، ما أدى إلى مشكلة حادة انتهت بإبلاغ الأهل قرار طرد ابنهم بحجّة وجود “صعوبة تعليمية”، في حين تؤكّد العائلة أن طفلهم لا يعاني من أي مشكلة من هذا النوع، معتبرين أن القرار جاء كردّ فعل على موقفهم المعترض.

وفي خلفية هذا المشهد، تجدر الإشارة إلى أن لجنة الأهل في هذه المدرسة والعديد من المدارس الأخرى لم توقّع على موازنة المؤسسة منذ أكثر من عامين، ما يطرح تساؤلات قانونية حول مدى شرعية الموازنة الحالية، علماً أن القانون ينصّ بوضوح على أن عدم توقيع لجنة الأهل يُبطل الموازنة تلقائياً.
أوضح رئيس اتحاد لجان الأهل في كسروان الفتوح، رفيق فخري، في مقابلة مع “نداء الوطن”، أن أزمة الأقساط المدرسية وتحديدها بالدولار ليست وليدة اليوم بل تعود إلى السنوات الأخيرة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، قائلاً: “منذ أكثر من أربع أو خمس سنوات، كانت موازنات المدارس تُعدّ بالليرة اللبنانية، مع وجود صندوق دعم موازٍ بالدولار بسبب الظروف الاستثنائية التي مررنا بها. اليوم، وبعد مرور أكثر من سنتين على استقرار سعر الصرف النسبي، لم يعد من المنطقي الإبقاء على هذا الواقع المزدوج، إذ لا يمكننا كأهالٍ أن نستمر بتسلّم مذكرات تحدّد قيمة القسط بالدولار وكأنها أمر واقع، من دون توقيعنا أو حتى قدرتنا على الاعتراض”.

وأضاف فخري: “بحسب القانون 515/96، وتحديداً المادة الأولى منه، يجب إعداد موازنة موحّدة واحدة تُحتسب فقط بالليرة اللبنانية، تشمل كل ما يتعلق بالأقساط، ولا يجوز فصل جزء منها بالدولار، خصوصاً بعد صدور القانون رقم 4 الذي ينص على تخصيص 6 % لصندوق التعويضات في المدارس، وهو جزء من الحماية الاجتماعية للأساتذة والقطاع التربوي، لكنه لا يبرّر إطلاقاً فرض أعباء إضافية عشوائية على الأهالي”.
وأشار فخري إلى أن عدداً كبيراً من المدارس الخاصة، لا سيما الكاثوليكية المنضوية تحت اتحاد لجان الأهل في كسروان، التزمت هذا المسار، وأعدّت موازنات واضحة بالليرة اللبنانية كما يفرض القانون، بينما مدارس أخرى وتصل إلى 7 مدارس تقريباً، لا تزال تُصدر مذكرات تحدّد أقساطاً مفروضة بالدولار، وهو ما وصفه بـ “غير القانوني وغير المقبول”، خصوصاً مع غياب أي اتفاق مُسبق مع لجان الأهل.

تلجأ بعض المدارس إلى فرض دفعات مسبقة على الأهل للعام الدراسي المقبل، وحتى قبل بدء العام، تحت عناوين مختلفة، منها حجز مقاعد الطلاب أو تأمين مستلزمات المدرسة، ما يطرح تساؤلات جدّية حول قانونية هذه الإجراءات، ومدى التزام الإدارات بنصوص واضحة في القوانين التربوية. حول هذا الموضوع شرح فخري قائلاً: “المادة الخامسة من القانون 515 تنصّ بوضوح على أن القسط الأول الذي يُدفع في بداية العام يجب ألا يتجاوز 30 % من قيمة موازنة السنة الماضية، بينما تُحدَّد باقي الأقساط فقط بعد إقرار الموازنة الجديدة بالتوافق مع لجنة الأهل. وبالتالي، لا يحق لأي مدرسة اليوم أن تفرض أقساطاً كاملة أو دفعات تتخطّى النسبة المسموح بها قبل التوصل إلى اتفاق رسمي على الموازنة”.

وختم فخري مؤكداً: “نحن نطالب بتطبيق القانون بحذافيره لضمان حقوق الأهالي من جهة، واستمرارية المدارس وجودة التعليم من جهة أخرى، بعيداً عن أي إجراءات تعسّفية أو قرارات فردية تزيد من الأعباء على العائلات اللبنانية، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب”.

علمت “نداء الوطن” أن عدداً من المدارس عمد خلال العام ما قبل الماضي إلى رفع الأقساط بنسبة 30 %، مبرّرة ذلك بالحاجة إلى زيادة رواتب المعلمين، إلا أن هذه الزيادات لم تُترجم فعلياً على الأرض، حيث بقيت رواتب معظم الكادر التعليمي على حالها، في حين تكبّد الأهل أعباء إضافية كبيرة. ومع بداية العام الدراسي الماضي، كرّرت هذه المدارس الخطوة نفسها، فارضة زيادات إضافية بنسبة 30 % أخرى على الأقساط، بحجة تحسين الوضع التربوي، فيما بقيت رواتب الأساتذة مجمّدة، وهو ما فتح الباب أمام التشكيك في جدية وشفافية الموازنات التي تقدّمها الإدارات.

وفي هذا السياق، اشتكى عدد من الأهالي من تغييب لجان الأهل بالكامل عن دراسة الموازنات المدرسية، بحيث لا يتم إطلاعهم على تفاصيل الأرقام والنفقات كما يفرض القانون، وحتى في الحالات النادرة التي تُعرض فيها الموازنات على اللجان، يتبيّن بعد التدقيق أنها “ملغومة” وتتضمن بنوداً مبهمة أو أرقاماً مضخّمة بطريقة لا تتناسب مع الواقع، ما يثير الريبة حول نوايا بعض إدارات المدارس في تحميل الأهل أعباء تفوق طاقتهم، دون مبرّر واضح أو خاضع للرقابة.

وفي الإطار نفسه، يشير مصدر تربوي لـ “نداء الوطن” إلى أن مراقبة الموازنات المدرسية من قبل مصلحة التعليم الخاص أمر شبه مستحيل عملياً، نظراً لحجم العمل الهائل مقارنة بالموارد البشرية المتاحة، إذ لا يتجاوز عدد موظفي مصلحة التعليم الخاص السبعة أشخاص، في حين يفوق عدد المدارس الخاصة في لبنان السبعة آلاف مدرسة، وهو ما يجعل مهمة التدقيق الشامل والمتابعة الفعلية لكل موازنة ضرباً من المستحيل في ظل الإمكانات الحالية.

وفي ظل هذا الواقع المأزوم، يبدو أن التعليم الخاص في لبنان يسير على حافة الانفجار الاجتماعي، بين إدارات تفرض زيادات غير مدروسة، ولجان أهل تصطدم بالتعتيم وغياب الشفافية، وأجهزة رسمية عاجزة عن ضبط الفوضى نظراً لضعف الإمكانيات. وفي النهاية، يبقى التلميذ وأهله الضحية الأولى، يُحاصرون بين نار الأقساط المرتفعة، وضعف الرقابة الرسمية، وغياب أي رؤية واضحة لضمان حق التعليم بعيداً عن الابتزاز المالي والمزايدات التربوية. فإلى متى يبقى الأهل متروكين لمصيرهم في مواجهة قرارات إدارات لا تُحاسب؟

البحث