كتبت ديزي حوّاط في نداء الوطن:
إمّا توسعة مطمر الجديدة، أو الغرق بالنفايات. خيار بين السيّء والأسوأ يؤرق المتنيين في كل مرة تعجز فيها الحكومة عن إيجاد خطط بعيدة المدى. ومع وصول المطمر الحالي إلى أقصى قدرته الاستيعابية، يعود النقاش من جديد حول توسعة المطمر.
السؤال البديهي يبقى: هل لبنان عاجز علميًا وتقنيًا عن إيجاد حلول حقيقية للنفايات، أم أنّ العقدة سياسية بامتياز؟ وإذا كان الحلّ الموقت قد تحوّل إلى قاعدة، فما الذي يمنع الدولة من الانتقال إلى حلول مستدامة بدل الترقيع المتكرّر؟
أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ”نداء الوطن” أنّ القانون الجديد الذي أقرّته لجنة المال والموازنة يشكّل خطوة أولى نحو تطبيق اللامركزية، إذ يمنح البلديات دورًا أساسيًا في جمع النفايات وربما فرزها. لكنه شدّد على أنّ القانون وحده غير كافٍ ما لم يُقرَن بخطّة وطنيّة شاملة تعالج الأزمة في كل المناطق عبر معامل فرز ومعالجة حقيقية.
وإذ وصف المطامر بـ”مطامر موت” استُخدمت في الماضي كوسيلة هدر وفساد على حساب صحة الناس، دعا كنعان إلى وضع رؤية وطنية كاملة تعطي البلديات صلاحيات أوسع وتتيح لها الحلول بالتعاون مع اتحادات البلديات. وأكد أنّ التمويل متاح من جهات دولية كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، لكن العائق يبقى غياب الإرادة السياسية وانعدام ثقة المواطن بالدولة، لا القدرات التقنية أو العلمية.
ووسط هذا الغموض، يخيّم على المتنيين هاجس عودة المشاهد التي طبعت صيف 2015، حين غمرت النفايات الشوارع وتحوّلت أكوامها إلى صورة يومية، مع ما يحمله ذلك من كلفة صحية وبيئية واجتماعية باهظة.
أما النائب الياس حنكش فرأى أنّ ملف النفايات شكّل “أكبر تنصيبة بعد ملف الكهرباء”، إذ كبّد لبنان مليارات الدولارات من دون أي معالجة صحية أو بيئية سليمة، فيما ارتفعت الكلفة أربع مرات مقارنة بأوروبا، من دون فرز أو طمر سليم، بل عبر “أبشع جريمة بيئية” على الشاطئ والساحل.
واستعاد حنكش مشهد 2015، في حديث لـ “نداء الوطن”، حين وُعد الأهالي بأن المطمر لن يستمر أكثر من أربع سنوات وبحزمة تعويضات مالية، لكن شيئًا لم يُنفّذ، فتحوّل الاستثناء إلى قاعدة والمطمر إلى جبل من النفايات بعلو 40 مترًا. واعتبر أنّ الفشل سببه التواطؤ والفساد وغياب أي خطط جذريّة.
وفيما شدّد على ضرورة إعطاء البلديات صلاحيات حقيقية مع توفير التمويل اللازم، رفض تحميلها الأعباء وحدها، معتبرًا أنّ الحلول موجودة ومنها “waste to energy” في بلد يعاني أصلًا من نقص الكهرباء، شرط أن تكون المطامر، إذا لزم الأمر، في مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية والمياه الجوفية، لا في أكثر المناطق كثافة.
وأسف حنكش لأنّ الدولة ما زالت تؤجّل وتبحث عن “خلية جديدة” لتمديد الأزمة، بدل وضع خطّة وطنية واضحة وسريعة. ورأى أنّه رغم وجود حكومة أكثر شفافية نسبيًا اليوم، يبقى ملف النفايات عالقًا في دائرة المماطلة، محمّلًا السلطة التنفيذية المسؤولية الكاملة، ومتعجبًا من أنّ المتن، المنطقة الأكثر دفعًا للضرائب، حُوّلت إلى مكبّ لنفايات نصف لبنان بدل استثمار واجهتها البحرية سياحيًا واقتصاديًا.
اتحاد بلديات المتن تحدّث أخيراً عن “خطر داهم”، داعيًا إلى الإسراع بإنجاز الخلية الثامنة داخل المطمر الحالي، مع وقف استقبال أي نفايات من خارج المتن، وحتى اقتراح مبادلة مع مطمر الكوستا برافا.
أكّد رئيس بلدية الجديدة – البوشرية – السد أوغوست باخوس لـ”نداء الوطن” أن لدى البلدية مشروع اكتفاء ذاتي، وأن القانون الذي أقرّته لجنة المال والموازنة يتيح للبلديات إيجاد الحلول المناسبة بعيدًا من هيمنة الشركات والاحتكار.
وأوضح أن الخلية الثامنة يعود استثمارها للبلدية بموجب مرسوم 22/2022، لكن توصية الاستشاري لمجلس الإنماء والإعمار جاءت بفتحها كمطمر بسبب بلوغه القدرة الاستيعابية القصوى. الطاقة المتوقعة تصل إلى 750 ألف طن أي 16 شهرًا، ومع مبادلة الكوستا برافا إلى 20 شهرًا. غير أنّ البلدية ترفض هذا التوسّع لأنه يحمّل المتنيين ضريبة بيئية وصحية إضافية، وقد رفعت اعتراضها للحكومة وتنتظر القرار.
وأشار إلى أن مطالب البلدية المحقّة تشمل استثمار المطمر لصالحها، تزويدها بالطاقة الشمسية، السماح بتوليد الطاقة من الميثان، والإفراج عن التعويضات السابقة. كما تنتظر ترخيصًا رسميًا لإنشاء معمل لمعالجة النفايات وفق دراسة تقنية ومالية بنظام BOT .
وختم بالتشديد على أن البلدية لن تسمح بدخول الشاحنات إذا تجاهلت الحكومة مطالبها، لافتًا إلى أن المطمر دمّر الشاطئ الذي كان يمكن استثماره سياحيًا واقتصاديًا.
المطمر القائم على البحر يجسّد التناقض الأكبر في لبنان: أرض يمكن أن تتحوّل إلى مشروع إنمائي وسياحي يخلق فرص عمل، تحوّلت إلى مكبّ للنفايات يتمدّد. وفي المقابل، الحلول البديلة معروفة منذ سنوات: إمّا إطلاق مراكز فرز ومعالجة لامركزية في كل قضاء، أو دعم مبادرات المجتمع المدني التي أثبتت نجاحها في أكثر من بلدة، أو إنشاء معامل تدوير حديثة بدل المطامر القاتلة. لكن هذه الخطوات تبقى رهينة قرار سياسي غائب، أو مؤجَّل.
لن تنتهي أزمة النفايات بالترقيع، بل عندما يسقط منطق الصفقات ويحلّ مكانه منطق الإدارة العلمية الشفافة. وحتى ذلك الحين، يبقى المتنيون بين مطمر يتمدّد ووعود تتبخّر، يدفعون ثمنها من صحتهم وبيئتهم.