انتخابات

كتبت جومانا زغيب في “نداء الوطن”:

صحيح أن الجو الانتخابي في المغتربات وديار الانتشار لا يوحي بحماوة ملحوظة حتى الآن، لكن الصحيح أن المغتربين في مختلف القارات والبلدان يتابعون عن كثب التطورات المتعلقة باقتراعهم وما يرافقها من تجاذبات حادة، علمًا أن كثيرين منهم يستغربون الأسباب الكامنة وراء افتعال عرقلة الاقتراع للمقاعد الـ 128 من حيث يقيم المغتربون كما حصل في الدورتين السابقتين، باعتبار أن الاقتراع للمقاعد الستة هو أقرب إلى مسرحية غير مقنعة منطقيًا ولو دافع عنها البعض لأسباب سياسية.

وتكشف معلومات أن مجموعات الضغط اللبنانية في الخارج تعد خطة جديدة لاستكمال الحملة التي سبق وأطلقتها دعمًا لتعديل قانون الانتخاب كما هو وارد سواء باقتراح القانون أو بمشروع القانون الذي أحالته الحكومة على المجلس النيابي. والملفت أن الكنيسة أدت دورًا مهمًا في حض المنتشرين على الاستعداد للمشاركة في الاستحقاق النيابي، وعلى الدفع في اتجاه الحفاظ على حقهم بالاقتراع من حيث هم للمقاعد الـ 128. وموقف الكنيسة الذي عبر عنه مرارًا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ومجلس المطارنة الموارنة وكنائس أخرى، يندرج في إطار التأكيد على ثوابت لا تقبل المساومة.

فالكنيسة لا تقارب المسألة من الباب السياسي الضيق، بل من منطلق وطني ومبدئي، خلاصته أنها ترفض أي محاولة وتحت أي مسوّغ لإبعاد المغتربين عن وطنهم وتاريخهم وتراثهم وأهلهم ومقدساتهم. ولذلك، وكما يقول أحد مطارنة الاغتراب، فإن بدعة المقاعد الستة تكرس قطع الروابط بين لبنان المقيم ولبنان المغترب، وتجعل المنتشرين وكأنهم يقترعون لنواب ينتمون إلى بلدان الانتشار وليس إلى لبنان، بينما الاقتراع للنواب الـ 128 من حيث يقيمون، يعني استمرار ارتباطهم بالوطن الأم وبأهلهم وهمومهم ويشكل اعترافًا بأنهم مواطنون كاملو المواصفات لهم ما لهم من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات. ويوضح المطران نفسه أن أغلبية المغتربين المسيحيين وغير المسيحيين في البلد الذي تقع فيه أبرشيته غادروا لبنان قسرا بسبب ممارسات وسياسات من هجّرهم ولو بشكل غير مباشر نتيجة الحروب العبثية، ونتيجة الفساد الذي أدى إلى الانهيار المالي والاقتصادي، وبالتالي هل يكافأ المغتربون الذين يمثلون الرافد المالي والاجتماعي الأساسي للمقيمين، بإبعادهم أو بتهجيرهم للمرة الثانية عن وطنهم؟

ويلفت المطران إلى أن المسيحيين هم أكثر من هاجروا بسبب الظروف الضاغطة والمآسي التي عانوها والقلق على مستقبل أولادهم، الأمر الذي فاقم الخلل الديموغرافي، ولذلك لا يمكن للكنيسة أن تسلّم بهذا الأمر الواقع بل ستجهد دائما لدعم عودة الدولة السيدة والعادلة تحت عنوان الشراكة الفعلية لكي يبقى الأمل بعودة عدد كبير من المغتربين الذين يتمنون هذه العودة إذا ما توافرت ظروفها الموضوعية.

إشارة إلى أن المطارنة في الخارج أدوا قسطهم للعلى ووزعوا بيانهم الخاص بالاغتراب على جميع الرعايا وركزوا كثيرًا في عظاتهم على ضرورة الحفاظ على حق الاغتراب في الارتباط بوطنه انتخابيًا، علمًا أن ثمة نوعًا من الفتور لدى بعض الكهنة الذين لم يكونوا على مستوى الالتزام بالتوجيهات في هذا الخصوص.

وبالعودة إلى المجموعات الاغترابية الضاغطة في مختلف القارات، فإنها تتخطى العشرين عددًا وهي تمثل المجتمع المدني والقوى السيادية ولكن من دون أي صفة أو يافطة حزبية، وتتحرك بشكل دائم دعمًا لتعديل قانون الانتخاب، علمًا أن لدى البعض نوعًا من اللوم الهادئ على رئيس الحكومة الذي للعديد من تلك المجموعات علاقة طيبة معه كونها تنتمي إلى الجو التغييري الذي يُحسب الرئيس نواف سلام عليه بدرجة أو بأخرى.

أما في ما خص الأحزاب السيادية، فإن “القوات اللبنانية” التي تلعب دور رأس حربة في هذا المجال، تستعد بقوة لمختلف الاحتمالات، سواء لإعادة العمل بالاقتراع من الخارج للدوائر الخمس عشرة في لبنان، أو حتى لاقتراع المغتربين في لبنان ما يجعلهم مضطرين الى الانتقال من بلدان إقامتهم إلى وطنهم الأم، باعتبار أن الاقتراع للمقاعد الست من رابع المستحيلات. ولا تخفي أوساط القوات “عمل المستحيل” لتأمين اقتراع أكبر عدد من المغتربين مهما كلف الأمر، للرد على الاستخفاف النافر بالدستور والأصول، وعلى محاولة تهميش الصوت الاغترابي خشية مساهمته في تعزيز التمثيل السيادي.

وما لا تقوله أوساط “القوات” يشير إليه استطلاع بقي طي الكتمان، لكن ما استُشف منه أن نسبة ساحقة من المغتربين تريد المشاركة أيًا كانت الظروف وأنها منذ اليوم حسمت خيارها، بل إن الدراسة أشارت إلى احتمال حصول مفاجآت في بعض الدوائر، لتبقى تفاصيل نتيجة الاستطلاع لدى الجهة التي طلبته وهي ليست جهة حزبية في أي حال.

وإذا كانت الأجواء توحي بناء على ذلك بمعارك طاحنة وحسابات ثأرية تشمل معظم القوى السياسية، فإن الفريق السيادي الذي تتصدره “القوات اللبنانية” يبدي ثقة كبيرة حيال التوقعات، لا سيما وان اصطفاف قوى مختلفة ومن مختلف المشارب والصفات في وجه الفريق السيادي، إنما ينعكس إيجابًا على هذا الفريق.

وتبقى ملاحظة مفادها أن هناك محاولات خبيثة تستهدف في ما تستهدف الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم والتي تعنى بتمثيل المغتربين وبشؤونهم وشجونهم، وتتمسك بتعديل قانون الانتخاب، وهي الجامعة المنتشرة في مختلف ديار الاغتراب ويترأسها روجيه هاني ويتولى جورج أبي رعد أمانتها العامة، فيما يسعى “الثنائي الشيعي” في المقابل إلى ضرب صدقيتها من خلال دعم الجامعة الأخرى المزعومة، لدرجة أنه تم تنصيب رئيس مسيحي لها للإيحاء بأنها جامعة غير طائفية، علمًا أنها موجودة غالبًا في أفريقيا ولديها وجود ضعيف ومتفرق في بعض البلدان الأخرى، ويسيطر عليها “الثنائي الشيعي” قرارًا وانتماء، وتتولى بث معطيات مغلوطة بهدف تعطيل اقتراع المغتربين للدوائر الـ 128 .

البحث